“يلا باركور”: فيلم وثائقي يعكس روح التحدي في غزة

لا أحد يجسد روح الشعب الفلسطيني في غزة كما يفعل ممارسو الباركور هناك، فمنذ عام 2005، تجمع الشبان في قطاع غزة ليحولوا مدينتهم المحاصرة إلى ملعب قفز، يتنقلون في الهواء بين الأنقاض المدمرة، بالنسبة للكثيرين حول العالم، ومع انتشار مقاطعهم، أصبحوا رمزًا لإنسانية غزة وصمودها في أحلك الظروف.

وفي عام 2014، أسرت مخرجة الأفلام الفلسطينية أريب زويتر، التي كانت تقيم في الولايات المتحدة بعيدًا عن مسقط رأسها في نابلس بالضفة الغربية، بممارسي الباركور في غزة، رأت فيهم جمال المقاومة لشعبها.

وعلى مدار عشر سنوات، تابعت مغامراتهم، وصادقت العديد منهم، ووثقت قصصهم دون هدف محدد، حتى جاء الحرب الأخيرة بين إسرائيل وغزة التي غيرت كل شيء.

وتقول زويتر: “في يناير، فقدنا أحد أعضاء فريق باركور غزة، سعيد التتري. كان هو وشقيقه يساعدان الناس للخروج من تحت الأنقاض عندما تعرضوا لقصف جديد، فاستشهدوا، كان هذا محطمة للغاية.

ومن تلك اللحظة أدركنا أنه يجب أن نتوقف عن التصوير وأن نظهر للعالم ما يحدث في غزة، أردنا أن نُظهر أن هناك حياة، وأن هناك من يحاولون خلق حياة من العدم.”

هذه الجهود تجسدت في الفيلم الوثائقي الطويل يلا باركور، الذي يعرض لأول مرة في منطقة الشرق الأوسط اليوم في مهرجان البحر الأحمر السينمائي في جدة، ويتناول الفيلم مغامرات هؤلاء الرياضيين، ويعرض العديد من المقاطع الفيروسية التي جعلتهم مشهورين، كما يستكشف السياق الذي تم تصوير هذه المقاطع فيه، بالإضافة إلى الرحلات الشخصية لمن قاموا بتوثيقها.

وما لفت نظر زويتر أكثر كان كيف تعامل الشبان مع الوضع، حيث كانوا يتبعون كل حملة قصف إسرائيلي جديدة باكتشاف مواقع جديدة لتنفيذ حركاتهم البهلوانية.

وتواصل زويتر: “بدأت متابعة هؤلاء الشباب بعد الهجوم الإسرائيلي في 2014، الذي استمر 50 يومًا، ثم حدث هجوم آخر في 2018 وفي 2020، في كل مرة، كانوا يعودون بابتسامات عريضة، وحس فكاهة، يتحدثون عن المواقف التي مروا بها أثناء الحرب، ومن المدهش كيف يتعاملون مع ذلك، وكيف يواصلون التحدي، وهذا أمر مهم، لا أدري إذا كان هذا ناتجًا عن اعتادتهم على ذلك، أم أنه جزء من حياتهم، إنه أمر محزن، لكن لا أستطيع إلا أن أجد ذلك مشجعًا.”

ويقول عبد الله القسّاب، أحد ممارسي الباركور في غزة في الفيلم: “عندما كنت أقفز في السماء، كنت أشعر أنني حر، كنت أتنفس، كنت أعيش، وعندما أهبط، أعود إلى الأرض، وأرى كل هذه العقبات الحقيقية. نحن نعيش تعريف الرياضة نفسها: القفز من نقطة إلى أخرى وتحدي العقبات.”

ويتتبع الفيلم بشكل رئيسي قصة أحمد مطر، الذي يبلغ من العمر الآن 28 عامًا، والذي بنى قاعدة متابعين كبيرة على حسابه في إنستغرام، ويشرح مطر لزويتر في الفيلم أنه بدأ في تصوير حركاته لأن هدفه كان أن يرى العالم ما يحدث في غزة، لعل ذلك يفتح له فرصة للعيش في مكان أفضل.

وفي عام 2017، بعد سنوات من المحاولات، حصل مطر على تأشيرة لحضور مسابقة في السويد، حيث استقر هناك وعمل كمدرب باركور، ورغم أنه كان لحظة فرح كبيرة له، إلا أن حياته الجديدة أصبحت مريرة: فهو لا يزال بعيدًا عن أسرته ووطنه.

وتقول زويتر: “عندما بدأنا التصوير، كنت أقول إن أحمد كان محصورًا، لكن الآن هو محاصر من الخارج، لم يعد لديه الوصول إلى عائلته. لم يعد لديه مجتمع. هو دائمًا معهم عبر الهاتف، لكن حياته الحقيقية فارغة، هو جسديًا في السويد، ولكن عقليًا هو في وطنه. لقد شعرت بذلك منذ أن غادرت نابلس، وأدركت أنه بدأ يشعر بنفس الشيء.”

وعلى الرغم من أن الفيلم قد اكتمل، إلا أن قصة أحمد لا تزال مستمرة، فرغم أن عائلته في غزة ليست من ممارسي الباركور، إلا أنهم يشتركون في نفس روح التحدي التي دفعته في صغره للطيران في الهواء.

وتكمل زويتر: “والدة أحمد وبقية عائلته يعيشون في مخيمات لاجئين وفي بيوت الآخرين، لكنها قررت أن تتوقف عن هذا الوضع، حيث قصف منزلهم ولم يبق سوى غرفة واحدة قائمة، فقررت العودة لتلك الغرفة، الآن هم يعيشون هناك، مع قطعة قماش تمنحهم بعض الخصوصية، لكنهم بخير. هم يعيشون يومًا بيوم في ظل هذه الظروف القاسية.”

ويُعرض فيلم يلا باركور اليوم في مهرجان البحر الأحمر السينمائي في جدة.

قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.