يغير الانهيار المفاجئ لنظام الديكتاتورية العائلية التي أرستها عائلة الأسد منذ فترة طويلة في سوريا توازن وتركيبة القوى المتنافسة في الشرق الأوسط بحسب تحليل أصدرته جامعة Carthage الأمريكية.
ووصف التحليل النظام السوري بأنه كان عميلاً لروسيا، وقبل ذلك للاتحاد السوفيتي، كما تدخلت تركيا في هذا الصراع، لكنها ركزت بشكل أساسي على ملاحقة الأقلية الكردية التي تُعتبرها خطراً.
وقد توسطت أنقرة وموسكو في وقف إطلاق النار في سوريا في عام 2016، وتدخلتا مرة أخرى للحد من العنف الإقليمي في عام 2020.
قرار فلاديمير بوتين في عام 2015 بالتدخل بقوات عسكرية في القتال الوحشي في سوريا أدى إلى توسيع مستدام لنفوذ روسيا في المنطقة، وزاد ذلك بشكل كبير من قدرة النظام الذي أطيح به للتو، بقيادة الرئيس السوري بشار الأسد، على البقاء على المدى القصير.
تاريخياً، كانت موسكو منشغلة بتأمين حدودها الوطنية، خاصة في أوروبا الشرقية، وكانت تتجنب إرسال قوات عسكرية لمسافات بعيدة عادة، لكن هذا النهج التقليدي تخلى عنه بوتين، الذي أصبح مقامراً عسكرياً جريئاً في الشرق الأوسط.
تمتلك روسيا تاريخ طويل من التدخل في المنطقة المتقلبة، وخاصة سوريا، وقد أدت “أزمة السويس” العميقة في عام 1956 إلى انقسام حاد بين الحلفاء الغربيين، حيث رفضت إدارة أيزنهاور دعم الهجوم العسكري المشترك بين بريطانيا وفرنسا وإسرائيل لاستعادة قناة السويس والسيطرة على شبه جزيرة سيناء من مصر التي كانت تحت تأثير التيار القومي، منذ ذلك الوقت وحتى نهاية الحرب الباردة، كان لموسكو نفوذ كبير.
ساعد حافظ الأسد، والد بشار الأسد، في تدبير انقلاب ناجح عام 1963، وبحلول عام 1970، عزز موقعه وحكم حتى عام 2000، والمفارقة، أنه كان يُعتبر عموماً معتدلاً نسبياً ومحدثاً اقتصادياً، رغم أنه في سياق نظام ديكتاتوري.
طورت سوريا شراكة عسكرية وثيقة مع مصر، وذهب البلدان معاً للحرب ضد إسرائيل في أكتوبر 1973، كما شهدت حرب أكتوبر مواجهة نووية بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي.
يمكن القول إن هذه الأزمة كانت خطيرة مثل أزمة الصواريخ الكوبية في أكتوبر 1962، رغم أنها تمت بعيداً عن الأنظار العامة، على عكس المواجهة بشأن الصواريخ في كوبا.
ألقت أزمة “ووترغيت” السياسية المحلية بظلالها على ذاكرة بعض مسؤولي إدارة نيكسون، ومع ذلك، يمكن استخلاص استنتاجات معقولة:
أولاً، سعى نيكسون بقوة لتلبية الحاجة الأساسية لتقديم المساعدة لإسرائيل، وفي الوقت نفسه، تم الضغط على إسرائيل لفرض ضبط النفس تجاه القوات المصرية المحاصرة. باختصار، تم التعرف على المصالح الأميركية الحيوية في المنطقة وحمايتها بوضوح.
ثانياً، تم اتخاذ إجراءات ظاهرة لإظهار العزم العسكري الأميركي حيث تم نقل قاذفات B-52 من غوام إلى الولايات المتحدة، وتم وضع الفرقة 82 المحمولة جواً في حالة تأهب.
ثالثاً، لم تسع الولايات المتحدة في النهاية إلى تنفيذ اقتراح مشترك قدمه السوفييت لإدارة الأزمة وكانت المصالح متباينة للغاية على كلا الجانبين، وهذا الأمر له تأثير على جهود بوتين في التعاون الدولي بشأن سوريا حيث رأت موسكو أنه لا يوجد سبب لإشراك الولايات المتحدة في الملف السوري، ولكن هذا قد يتغير الآن.
قام الرئيس جيمي كارتر بالتوسط لتحقيق السلام بين مصر وإسرائيل، كما أطلق الرئيس جورج بوش الأب ووزير الخارجية جيمس بيكر مفاوضات معقدة أدت إلى تحقيق جزئي للمصالحة الإسرائيلية-الفلسطينية، وكان لموسكو دور فيها.
أما إدارة الرئيس باراك أوباما، فقد انتهجت نهجاً خطابياً إلى حد كبير تجاه الحرب الأهلية السورية الوحشية، وأظهر إعلان بأن استخدام الغاز السام من قبل سوريا سيؤدي إلى رد عسكري ضعفاً في الالتزام.
انتهز بوتين الفرصة فوراً وحصل على إعلان من دمشق بالتخلي عن الأسلحة الكيميائية، ما أنهى النفوذ الأميركي الجاد.
ضعف إدارة بايدن ليس بالضرورة إشارة الى أهمية التدخل في الملف السوري الآن، بل يجب على الإدارة الجديدة للرئيس دونالد ترامب أن تُقيم بعناية المصالح الوطنية للولايات المتحدة وتتصرف وفقاً لذلك.
الرابط المختصر https://gulfnews24.net/?p=69770