تناولت وكالة بلومبيرغ الأمريكية وجود نهج أمريكي جديد في التعامل مع المملكة العربية السعودية، معتبرة أن واشنطن “بعد أن كانت مثالية تعود إلى الواقعية “.
وأشارت الوكالة في تحليل للكاتب اندرياس كلوث، إلى أن واشنطن تعج بالتكهنات بشأن صفقة “ثلاثية” تاريخية منتظرة بين الولايات المتحدة وإسرائيل والسعودية.
في حال التوصل اليها، فسوف تتنازل كل دولة عن الكثير ولكنها تكسب الكثير أيضًا، وبغض النظر عن النتيجة لن تلعب القيم والمثل أي دور في هذه المساومة.
الأمران الوحيدان الداخلان في هذه التسوية هي المصلحة الوطنية والقوة.
الواقعيون من الطراز القديم في السياسة العالمية، من ثيوسيديدس في اليونان القديمة إلى هنري كيسنجر في إدارة نيكسون سيقولون “هذا ما يجب ان يكون عليه الحال”.
وسيرد المثاليون من هوغو غروتيوس، الإنساني الهولندي من القرن السابع عشر الذي وضع أسس القانون الدولي، إلى وودرو ويلسون، رئيس الولايات المتحدة الذي تصور عصبة الأمم المشؤومة، بالقول “كيف يمكن أن نخون قيمنا”.
ومع ذلك، فإن الواقعيين في هذه الأيام في صعود – كنتيجة ثانوية حركية للحرب العدوانية غير المبررة التي شنتها روسيا ضد أوكرانيا.
لقد ذكّر الرئيس فلاديمير بوتين القادة في كل مكان بأن القوة يمكنها ان تتغلب على القيم، والآن يظهر هذا المنعطف الديالكتيكي – وهو التكرار الذي يسميه الألمان “تسايتينويندي” – في تلك الصفقة الثلاثية في الشرق الأوسط، وبشكل متزايد في سلوك إدارة الرئيس جو بايدن.
تولى بايدن منصبه وكان مثاليًا وعازمًا على الابتعاد عن السعودية، فقد خلصت أجهزة التجسس الأمريكية إلى أن ولي عهدها، محمد بن سلمان أو “MBS”، قد وافق على المهمة التي أدت إلى خنق وتقطيع أوصال الصحفي السعودي جمال خاشقجي في عام 2018، كما كان السعوديون يستخدمون أسلحة اشتروها من الولايات المتحدة في حربهم الدموية بالوكالة في اليمن المجاور.
كانت غريزة بايدن هي تحويل محمد بن سلمان إلى شخص منبوذ لا ان يكون حليفًا.
في العالم الأوسع، حاول بايدن أيضًا تأطير الجغرافيا السياسية على أنها منافسة نبيلة بين الديمقراطيات بقيادة الولايات المتحدة، والأنظمة الاستبدادية مثل روسيا أو الصين أو إيران أو كوريا الشمالية.
بعد أن هاجم بوتين أوكرانيا، ضاعف البيت الأبيض من رهانه على هذه الورقة، على أمل أن تصطف الدول الغربية خلف كييف إلى جانب تلك الموجودة في الجنوب العالمي، من آسيا إلى إفريقيا وأمريكا الجنوبية.
لكن معظم بلدان الجنوب لم يقتنعوا بهذه الورقة، رافضين إدانة غزو بوتين في الأمم المتحدة وفضلوا التحدث إلى موسكو وبكين بنفس المستوى من الانخراط مع واشنطن أو لندن أو برلين.
حتى لو كانت الإمبريالية الروسية خاطئة من الناحية الأخلاقية، فقد قررت هذه البلدان (التي اغلبها استقلّ عن الاستعمار) فليس من مصلحتها الوطنية أن تنحاز إلى أحد الجانبين في تنافس بين الشرق والغرب لن تتضح نتيجته لفترة طويلة.
كما لم تكن رواية بايدن عن الديمقراطيات مقابل الأنظمة الاستبدادية مقنعة تمامًا حتى بالنسبة لحلفاء أمريكا التقليديين حيث يبدو أعضاء الناتو، مثل المجر وتركيا، سلطويين أكثر من كونهم ليبراليين.
حتى إسرائيل، الصديق المقرب من الولايات المتحدة، وإن كان صعبًا، تبدو غير متأكدة مما إذا كانت ستميل إلى الاستبداد أو الديمقراطية، حيث يهاجم رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو وحكومته اليمينية المتشددة سلطة واستقلال السلطة القضائية في البلاد وهذا هو السبب في أن بايدن لا يدعو بيبي للبيت الأبيض في الوقت الحالي.
الهند، صديقة أخرى للولايات المتحدة، بالكاد تستطيع الادعاء بأنها أكبر ديمقراطية في العالم، في ضوء الشوفينية الهندوسية القمعية التي يمارسها رئيس الوزراء ناريندرا مودي.
ومع ذلك، يبدو كل هذا غير ذي صلة مع اندلاع صراعات أكبر على السلطة في جميع أنحاء العالم.
في وقت سابق من هذا العام، رصدت الصين فرصة لإزاحة الولايات المتحدة كقوة مهيمنة في الشرق الأوسط وتوسطت في انفراج بين الملالي في طهران وأعدائهم اللدودين في الرياض.
محاولا ايجاد موقع له في المعسكرين الغربي والشرقي، فقد استمع محمد بن سلمان أيضًا إلى افكار بشأن استخدام اليوان بدلاً من الدولار في مبيعات النفط لبكين وربما لأمور اخرى.
بايدن، الذي أدرك حجم المخاطرة، ترك ما أعلنه سابًقا وعاد إلى اللعبة التقليدية، فأرسل مبعوثين إلى المنطقة بفكرة معقدة وتمثل تحديًا، إذا نجحت، فانها يمكن أن تبقي الولايات المتحدة في المقدمة، والإسرائيليين والعرب بعيدين عن الصراع فيما بينهم، وربما بعيدا عن إيران.
السعوديون، في هذه الصفقة، سيعقدون السلام مع إسرائيل، بعد البحرين والإمارات والمغرب والسودان في عام 2020 والأردن في عام 1994 ومصر في عام 1979 وسيقولون أيضًا لا لمزيد من المبادرات مع بكين.
في المقابل، ستحصل الرياض على الأسلحة الأمريكية مرة أخرى، وحتى الضمانات الأمنية الأمريكية التي تكاد تكون بنفس قوة بند الدفاع المشترك لحلف الناتو، كما ستتلقى مساعدة أمريكية في تطوير الطاقة النووية لتوليد الطاقة.
كان هذا ممنوعا في الماضي بسبب القلق الاميركي والإسرائيلي من ان تتمكن ايران والسعودية وتركيا من بناء أسلحة نووية، وهو ما تمتلكه إسرائيل بالفعل، وتحويل المنطقة إلى بحيرة بنزين حيث يمتلك الجميع فيها اعواد الثقاب.
سيحصل السعوديون من الإسرائيليين على تأكيدات بأن نتنياهو أو خلفائه سيحدون من المستوطنات اليهودية في الأراضي الفلسطينية ويبقون على قيد الحياة إمكانية حل الدولتين للصراع الفلسطيني الإسرائيلي.
الإسرائيليون بدورهم سيحصلون على علاقات “طبيعية” مع خصم سابق قوي، وإزالة عدو واحد من قائمة طويلة وربما أعداء مسلمين آخرين في الوقت المناسب، كما ستحصل إسرائيل على ضمانات أمنية إضافية من الأمريكيين.
الأمريكيون من جانبهم سيعيقون تقدم الصين في منطقة مهمة، حيث من الأفضل التركيز على مواجهة بكين في شرق آسيا.
من خلال تحويل إسرائيل والسعودية، عدوي إيران، إلى حليفين بحكم الأمر الواقع، قد تجعل واشنطن طهران أيضًا تفكر مرتين قبل إثارة المشاكل.
قد يكون هذا يحدث بالفعل: إيران تتحدث مع الولايات المتحدة بشأن إطلاق سراح سجناء أمريكيين مقابل الوصول إلى الأصول الإيرانية المجمدة، وألمحت هذا الأسبوع إلى أن هذه الدبلوماسية يمكن أن تمتد إلى إحياء المحادثات بشأن برنامجها النووي.
يركز معظم النقاد الآن على العقبات التي تعترض الصفقة الاميركية الاسرائيلية السعودية.
لفهم ما يجري، انظر مواقف المثاليين في كل بلد.
السعوديون، الذين يحتضنون مكة والمدينة، لا يريدون للأمة المسلمة أن تعتقد أنها تبيع الفلسطينيين أو تتمايل مع الصهاينة، فيما تفضل الحكومة الإسرائيلية، بقيمها اليمينية المتشددة، ضم الضفة الغربية على تقييد المستوطنات اليهودية، اما التقدميون الأمريكيون فيعتبرون إسرائيل عنصرية والسعودية غير إنسانية، فيما يفضل الانعزاليون الأمريكيون الخروج من المنطقة تمامًا.
ومع ذلك، أراهن أن الصفقة ستتم، فقط لأنها منطقية من وجهة نظر حسابات المصالح الوطنية التي جعلها بوتين، بفضل هجومه الوحشي ضد أوكرانيا، صاحبة الأولوية على القيم مرة اخرى.
الرابط المختصر https://gulfnews24.net/?p=64763