واشنطن بوست: غزة تحولت إلى مقبرة للأطفال

يحاول يوسف شرف منذ أكثر من أسبوع إخراج جثث أطفاله الأربعة المدفونين تحت منزله المدمر في مدينة غزة.

لقي والداه وزوجته حتفهم في الهجوم ذاته، كما لقي إخوته الثلاثة وشقيقتاه، وعماه الاثنان وزوجاتهما – والعديد من أطفالهم – حتفهم أيضًا.

يقول شرف في مكالمة هاتفية مع واشنطن بوست: “كل العائلات هناك كانوا مدنيين يبحثون عن حياة بسيطة واعتقدنا أننا نعيش في مكان آمن”.

كان شرف البالغ من العمر 38 عامًا يوزع الطعام على النازحين الغزيين في 25 أكتوبر عندما تلقى مكالمة عن ضربة إسرائيلية على برج يضم شقق عائلته فعاد مسرعًا ولكن كان قد فات الأوان.

كانت شدة الانفجار قد تسببت في انهيار البناء متعدد الطوابق.

ففقدت بناته الثلاث: ملك، 11 عاماً، وياسمين، 6 أعوام، ونور، 3 أعوام وابنه الوحيد مالك، البالغ من العمر 10 أعوام، تحت الأنقاض.

سأل “هل يمكنك أن تتخيل ألمي؟”

وقال شرف إن نحو ثلاثين من أقاربه كانوا يقيمون معهم، على أمل العثور على الأمان في الاعداد الكبيرة ومن بعضهم البعض.

قُتل 13 من أبناء وبنات إخوته – من بينهم لانا، 16 عامًا، هالة، 11 عامًا، جانا، 9 أعوام، جوري، 6 أعوام، تولين، 4 أعوام، كريم، عامان، وعبيدة البالغ من العمر عام واحد.

كان شقيقه قد رحب للتو بطفل بعد 16 عامًا من المحاولة مع زوجته. لقد قُتلوا أيضًا.

قال: “حملتهم بين يدي أخي وزوجته وابنه ودفنتهم معًا”.

ولم يرد الجيش الإسرائيلي على الفور على طلب للتعليق على الغارة.

قتل أكثر من 3700 طفل في غزة منذ بدء الحرب في السابع من أكتوبر/تشرين الأول، بحسب وزارة الصحة في غزة.

لا تشعر العائلات بالحزن على خسائرها فحسب، بل على ما يبدو وكأنه فقدان جيل كامل.

يشكل الأطفال 2 من كل 5 وفيات بين المدنيين في غزة، وفقًا لجيسون لي، مدير منظمة إنقاذ الطفولة في الأراضي الفلسطينية، ولا يشمل ذلك نحو 1000 طفل ما زالوا محاصرين تحت الأنقاض بحسب تقديرات المجموعة وقال: “نحن الآن في وضع يقتل فيه طفل كل 10 دقائق”.

وتقول وزارة الصحة إن أكثر من تسعة آلاف من سكان غزة لقوا حتفهم حتى الآن، في خامس حرب تخوضها إسرائيل وأكثرها دموية حتى الآن مع حماس، الجماعة المسلحة التي تسيطر على القطاع الساحلي.

بدأ الصراع يوم السابع من أكتوبر، عندما اجتاح مسلحو حماس جنوب إسرائيل، مما أسفر عن مقتل أكثر من 1400 شخص واحتجاز أكثر من 230 آخرين كرهائن، من بينهم ما لا يقل عن عشرة أطفال.

وقالت لجنة حقوق الطفل التابعة للأمم المتحدة يوم الأربعاء في بيان دعا إلى وقف إطلاق النار: “لا يوجد منتصر في حرب قُتل فيها آلاف الأطفال”.

ويقول الجيش الإسرائيلي إنه يستهدف مقاتلي حماس والبنية التحتية ولديه ضمانات لمنع سقوط ضحايا من المدنيين ويشكك في عدد القتلى الذي أعلنته وزارة الصحة في غزة، والذي لا يميز بين المقاتلين والمدنيين.

واتهم الجيش الإسرائيلي الجماعة المتطرفة بإخفاء مقاتلين وأسلحة ومراكز قيادة وأنفاق في مناطق سكنية، لكن خلال ثلاثة أسابيع فقط من الحرب، تجاوز عدد الأطفال الذين قتلوا في غزة العدد الإجمالي للقتلى في جميع مناطق النزاع في العالم في أي عام منذ عام 2019، حسبما ذكرت منظمة إنقاذ الطفولة الخيرية العالمية يوم الأحد.

وقال جيمس إلدر، المتحدث باسم اليونيسف، في مؤتمر صحفي يوم الثلاثاء: “لقد أصبحت غزة مقبرة للأطفال” مضيفا “إنه جحيم حي للجميع”.

لقد عاش معظم أطفال غزة بالفعل حروبًا متعددة وما يقرب من نصف سكان القطاع البالغ عددهم 2.3 مليون نسمة – وهي واحدة من أكثر المناطق الحضرية كثافة في العالم – تقل أعمارهم عن 18 عامًا، وفقًا للأمم المتحدة.

معظم الذين ولدوا منذ عام 2007، عندما استولت حماس على السلطة، لم يغادروا غزة قط بسبب الحصار الإسرائيلي المفروض في العام نفسه وقد نشأت الأغلبية في حالة من الفقر؛ ولم يتمكن سوى عدد قليل منهم من الحصول بشكل منتظم على الرعاية الطبية الكافية أو التعليم أو المياه النظيفة.

وقد أبرزت الحرب الأخيرة مدى ضعف هؤلاء الأطفال، فهم محشورون في المباني السكنية مع العشرات من أقاربهم، بحثاً عن الأمان، أو يختبئون في ملاجئ ومدارس تابعة للأمم المتحدة مع آلاف آخرين، وينامون تحت المكاتب حيث من المفترض أن يتعلموا، ويعيش بعض الأطفال النازحين في الشوارع أو في خيام في مخيمات مؤقتة.

في كل مكان في غزة، هناك نقص حاد في المياه والغذاء والدواء ويشهد القطاع حالات الجفاف والإسهال، التي يمكن أن تكون مميتة للأطفال، آخذة في الارتفاع.

ثم هناك الغارات الجوية الإسرائيلية، بالآلاف والآلاف منها، التي تنهمر ليلا ونهارا، من الشمال إلى الجنوب، على أنفاق ومخابئ حماس، ولكن أيضا على المنازل والمدارس وأماكن العبادة.

ويقول أحمد الفرا، رئيس قسم الأطفال في مستشفى ناصر في خان يونس بجنوب غزة، إنه عندما يتم نقل الأطفال الجرحى إلى المستشفيات، فإن ما يستطيع الأطباء القيام به لإنقاذ حياتهم أصبح أقل فأقل.

وقال عن الذخائر الإسرائيلية: “إن القوة التدميرية للصواريخ قوية للغاية” وأضاف أن العديد من الأطفال يصلون من مواقع الهجمات وهم مصابون بجروح مروعة – أجزاء مقطوعة من الجسم، وجروح من الشظايا، وحروق شديدة، ونزيف داخلي من قوة الانفجارات.

خلف الفرا هناك طفل ملفوف بالشاش يعاني من نزيف في الكلى، وفي السرير المجاور، كان هناك طفل يعاني من نزيف في الدماغ، وكان يعاني من حروق في جميع أنحاء جسده وصرخ طفل آخر مرارًا وتكرارًا “يا الله” .. “يا الله”.

وقد قام مستشفى ناصر ومستشفى الشفاء، وهو أكبر مستشفى في غزة، بنقل أقسام الولادة لإفساح المجال للجرحى.

وفي ثلاثة مستشفيات في أجزاء مختلفة من غزة، قال الأطباء لصحيفة The Washington Post إنهم لم يروا أطفالاً يعانون من مثل هذه الإصابات المروعة من قبل.

يقول حسام أبو صفية، وهو طبيب في مستشفى كمال عدوان شمال غزة: “أنا أعمل هنا منذ أكثر من 25 عاماً وشاهدت كل الحروب، لكن هذه الحرب مختلفة”.

أمرت إسرائيل طاقم المستشفى مرارا وتكرارا بالإخلاء لكن الطاقم الطبي قرر البقاء مع مرضاه.

وقال أبو صفية: “نحن نتحدث عن مئات الأطفال الذين يحتاجون إلى رعاية طبية وإلا سيموتون في الشارع”.

كانت شهد، 18 عاماً، تحلم بإنجاب بنات “يكبرن ويصبحن صديقاتي” وفي 18 أغسطس، أنجبت ابنتين توأم، مسك وماسة.

ولدت مسك قبل الأوان وأمضت شهرها الأول في المستشفى.

كانت قد عادت إلى المنزل منذ أسابيع معدودة عندما بدأت الحرب وفي اليوم الخامس، استجابت شهد لأوامر الإخلاء التي أصدرها الجيش الإسرائيلي، وفرت مع عائلتها الكبيرة من مدينة غزة إلى النصيرات في الجنوب.

في 18 أكتوبر/تشرين الأول، أدت غارة جوية على منزل أحد الجيران إلى انهيار جزء من منزلهم المؤقت حيث قُتلت مسك يوم بلغت الشهرين من عمرها كما فقدت شهد أختها وابنة عمها في الانهيار.

وقالت شهد، شريطة ذكر اسمها الأول حفاظاً على أمنها: “لا يوجد أمان في هذا المكان” مضيفة “كل أحلامي أصبحت سرابًا لا معنى له”.

انتقلت العائلة إلى مكان آخر في النصيرات وبعد عشرة أيام، وأثناء انقطاع الاتصالات لأكثر من 30 ساعة في غزة، أصابت غارة إسرائيلية مسجداً مجاوراً وادى تأثير الانفجار في المباني المحيطة إلى قتل ثلاثة أطفال آخرين في الأسرة – لانا، 9 أعوام، وحسن، 8 أعوام، ورنا، 6 أعوام – وفقًا لسعدية، عمة الأسرة، وأصيبت نوران، ابنة أخت سعدية، البالغة من العمر 7 سنوات، بالتشوه بسبب الشظايا.

تقول: “كنا نطمح أن تصبح نوران طبيبة، اليوم، لم نعد نعرف كيف ستواجه نوران نفسها، حتى في المرآة”.

سألت سعدية وهي تبكي “هل هذه هي أهداف الحرب؟”قبل ان تضيف “أطفالنا ليسوا أرقامًا بل كل منهم قصة تستحق أن تروى”.

قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.