ارتبطت مجموعة فاغنر الروسية الخاصة بأنشطة واسعة في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ومولتها عدة دول أبرزها الإمارات العربية المتحدة لتنفيذ مهام سرية متنوعة.
وتم النظر إلى مجموعة فاغنر باعتبارها امتداداً لنفوذ روسيا، وتضمنت أنشطتها تقديم الدعم العسكري والتدريب واستغلال الموارد في دول مثل سوريا وليبيا والسودان.
وبحسب منصة “أسباب” البحثية أدت عمليات مجموعة فاغنر دوراً أساسياً في تأمين المصالح الجيوسياسية الروسية والاستفادة من الموارد الطبيعية الثمينة ومواجهة النفوذ الغربي.
ومع ذلك؛ تسبَّب تمرد مجموعة “فاغنر” في يونيو/حزيران 2023 بقيادة رئيسها، يفغيني بريغوزين، في إثارة شكوك حول مستقبل المجموعة، أدَّى هذا الصراع على السلطة بين “بريغوزين” و”بوتين” إلى جعل عملاء فاغنر في حيرة من أمرهم بشأن مستقبل شراكاتهم الأمنية، ومن المرجح أن يركز “بريغوزين” على تأمين سيطرته على “فاغنر” وامبراطوريته التجارية.
وبحسب المنصة فإنه من غير المرجح أن تتخلى روسيا عن سيطرتها على مجموعة “فاغنر” دون مقاومة؛ إذ تضطلع المجموعة بدورٍ حيوي في سعي روسيا لتوطيد نفوذها الجيوسياسي والعسكري في المنطقتين.
تثير تلك القضايا تساؤلات حول استقرار واستمرارية عمليات “فاغنر” في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
واستكشفت منصة “أسباب” المسارات المستقبلية المحتملة وتداعياتها على مجموعة “فاغنر” في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في الإطار الزمني 2023-2025.
السيناريو الأول: احتفاظ فاغنر بسيطرتها
في هذا السيناريو، ينجح “يفغيني بريغوزين” في تعزيز سيطرته على مجموعة “فاغنر” وتواصل الشركة عملياتها في منطقتي الشرق الأوسط وأفريقيا.
إذ يركز “بريغوزين” على حماية إمبراطوريته التجارية، من ضمنها مجموعة “فاغنر”، ويواصل تقديم الخدمات شبه العسكرية مقابل السيطرة على موارد طبيعية ثمينة.
وعلى الرغم من الصراع مع “فلاديمير بوتين”، لم يحسم بعد عملاء فاغنر في سوريا وليبيا والسودان، قرارهم، لكنهم مازالوا يحافظون على تعاقدهم مع المجموعة.
وستسمح قدرة بريغوزين على الاحتفاظ بالسيطرة لمجموعة “فاغنر” بمواصلة دعم الأهداف الجيوسياسية والعسكرية لروسيا في المنطقة، وهو ما يخفف من التحولات المحتملة في ميزان القوة.
ومع ذلك؛ قد يقود هذا السيناريو أيضاً إلى تحديات ومخاطر محتملة؛ فقد تحقق مجموعة “فاغنر” استقلالا جزئيا عن الحكومة الروسية إلى تضارب في الأهداف أو الإجراءات التي لا تتوافق مع السياسات الرسمية الروسية.
وقد يسفر ذلك عن تعقيدات في العلاقات بين المجموعة والحكومات التي تدعمها، وكذلك مع الجهات الفاعلة الدولية الأخرى المنخرطة في المنطقة.
السيناريو الثاني: انقسام مجموعة فاغنر
في هذا السيناريو، يؤدي الصراع بين “بريغوزين” و”بوتين” إلى تفكّك مجموعة “فاغنر”، وهو ما يؤدي إلى إضعاف مكانة المجموعة وقدراتها، وسَيُشكّل فقدان الدعم الروسي على وجه الخصوص تحدياً بالنسبة لمجموعة فاغنر، لأنَّها تعتمد اعتماداً كبيراً على الحكومة الروسية في التمويل والموارد والدعم السياسي.
بدون هذا الدعم، ستواجه المجموعة خللاً شديداً في قدرتها على العمل بفعالية، والحفاظ على وجودها في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
وقد تواجه “فاغنر” صعوبات في الحفاظ على عقودها الحالية وتجنيد المرتزقة والوصول إلى الشبكات اللوجستية الضرورية ومصادر التمويل.
تظهر تباينات داخل مجموعة “فاغنر”، لكن “بريغوزين” سيواصل الاحتفاظ بالسيطرة على فصيل واحد بينما ينضم آخرون إلى الجيش الروسي أو يوضعون تحت لواء قيادة جديدة، ويؤدي هذا الانقسام إلى إضعاف نفوذ مجموعة “فاغنر” وتراجع كفاءة عملياتها في المنطقة، مسبباً حالة من عدم اليقين وسط عملائها.
نتيجة لذلك؛ سيسعى عملاء وشركاء المجموعة مثل قوات حفتر في ليبيا، والدعم السريع في السودان، إلى البحث عن شراكات أمنية بديلة، من أجل الحصول على الدعم.
وقد يؤدى فقدان الدعم الروسي وتفكّك مجموعة “فاغنر” إلى خلق فراغ قوة في المنطقة، وهو ما يترتب عليه حدوث تحولات سريعة في موازين القوى وديناميكيات السلطة؛ فمثلا في سوريا قد تتزايد مساحة نفوذ الميليشيات التابعة لإيران، لملء فراغ غياب فاغنر، في ظل انشغال الجيش الروسي بالعمليات العسكرية في أوكرانيا.
ومع هذا؛ فإن انقسام “فاغنر” وفقدان الدعم الروسي قد يترتب عليه تداعيات مختلطة. حيث قد ينجم عن ذلك تراجعا في نفوذ وأنشطة المجموعة، وهو ما قد يؤدي إلى تقليل انتهاكات حقوق الإنسان والأعمال المزعزعة للاستقرار، مثلا في ليبيا والسودان ربما يتيح هذا الوضع فرصة لهذه الدول لإعادة تقييم علاقاتها مع الجهات الفاعلة الخارجية والسعي إلى شراكات بديلة.
ومع ذلك؛ فإنَّ غياب مجموعة “فاغنر” قد يخلق أيضاً فراغات أمنية وصراعات على السلطة، لاسيما إذا لم تكن هناك بدائل فورية أو ترتيبات أمنية بديلة. نتيجة لذلك؛ قد تصبح الحكومات والفصائل المعتمدة على دعم المجموعة عرضة للتهديدات الداخلية والخارجية. وفي بعض الحالات؛ قد يصل الأمر إلى تجدد نزاعات أو تقوية المجموعات المسلحة المنافسة.
السيناريو الثالث: اندماج فاغنر مع شركة أخرى
في هذا السيناريو، تندمج كيانات مجموعة “فاغنر” مع شركة عسكرية روسية خاصة أخرى، مثل شركة “كونفوي” (Convoy) التي يقودها “سيرغي أكسيونوف” و”كونستانتين بيكالوف”.
سيعزز هذا الاندماج وجود وتأثير الكيان الجديد المندمج في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وسيرث الكيان الجديد علاقات مجموعة “فاغنر” ومكانتها الموثوق بها، ما يسمح له بمواصلة تقديم الخدمات شبه العسكرية وتأمين الوصول إلى الموارد الثمينة.
كما قد تواجه دول المنطقة، التي اعتمدت على دعم “فاغنر”، تحديات في التعامل مع الديناميكيات الجديدة وتقييم موثوقية الكيان المندمج.
ستعتمد الآثار المترتبة على مثل هذا الاندماج على هوية وطبيعة الشركة العسكرية الخاصة الأخرى المندمجة مع مجموعة “فاغنر”. إذا حدث اندماج مع شركة تتشارك نفس الأهداف والاستراتيجيات، فقد يؤدي ذلك إلى اندماج سلس واستمرار عمليات مجموعة “فاغنر”.
يعني ذلك أن تأثير الكيان المندمج ونفوذه سيتواصل في الدول، التي تنشط فيها المجموعة، مثل ليبيا وسوريا والسودان.
لكن إذا تضمّن الاندماج شركة ذات أولويات أو مناهج مختلفة، فقد يترتب على ذلك تغييرات كبيرة في عمليات المجموعة واستراتيجياتها. وقد تحدث تغييرات في الدول محل التركيز أو إعادة تقييم التحالفات أو حتى إنهاء بعض العقود والعلاقات.
قد يعطي الكيان المندمج الأولوية لمصالح اقتصادية أو أهداف جيوسياسية مختلفة، وهو ما ينجم عنه حدوث تغيير في ديناميكيات القوة في تلك الدول.
وقد يتمتع الكيان المشترك الجديد بقدرة أكبر على ممارسة النفوذ والتورط في انتهاكات حقوق الإنسان أو مواصلة الأنشطة المزعزعة للاستقرار، كما قد يؤدي ذلك إلى إثارة توترات مع دول أو قوى إقليمية أو تنظيمات دولية أخرى، وهو ما يقود إلى مزيد من التدقيق وإثارة صراعات محتملة.
السيناريو الرابع: انسحاب فاغنر من المنطقة
في هذا السيناريو، تقرر مجموعة “فاغنر” وقف عملياتها في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بسبب الصراع على السلطة وأوجه عدم اليقين المحيطة بمستقبل المجموعة.
يخلق هذا الانسحاب فراغاً أمنياً كبيراً، لاسيما في دول أثبتت المجموعة فيها حضوراً جوهرياً مثل ليبيا والسودان.
يؤدي رحيل مقاتلي فاغنر إلى إضعاف مواقف الجهات الفاعلة المحلية التي كانت تدعمها المجموعة، وهو ما قد يغير ميزان القوى لصالح الفصائل أو الحكومات المنافسة.
قد يترتب على ذلك إضعاف قدرة الجهات المحلية المدعومة من “فاغنر” على مواصلة الاحتفاظ بالسيطرة على الموارد الثمينة. قد يؤدي رحيل مجموعة “فاغنر” أيضاً إلى إعادة ترتيب التحالفات، وهو من المحتمل أن يتسبب في نشوب صراعات جديدة أو تفاقم النزاعات القائمة.
وقد يخلق انسحاب مجموعة “فاغنر” فرصاً لأطراف خارجية أخرى للتدخل لملء الفراغ الأمني. ربما تسعى قوى إقليمية أو أصحاب مصلحة دوليين إلى توسيع نفوذهم في البلدان المتأثرة، وهو ما يترتب عليه زيادة المنافسة والحروب بالوكالة، وقد يقود ذلك إلى مزيد من زعزعة استقرار المنطقة وتعقيد جهود السلام والاستقرار.
من ناحية أخرى؛ قد يوفر أيضاً انسحاب مجموعة “فاغنر” فرصة للبلدان المتأثرة لإعادة تقييم علاقاتها مع الجهات الفاعلة الخارجية والبحث عن شراكات بديلة.
وقد تسعى تلك الدول إلى تنويع مصادر الدعم العسكري والأمني من خلال الانخراط مع شركات عسكرية خاصة أخرى أو منظمات دولية أو تحالفات إقليمية، وقد ينجم عن ذلك ترتيبات أمنية أكثر توازناً واستقلالية.
انسحاب مجموعة “فاغنر” سيكون له تداعيات أيضاً على نفوذ روسيا في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
وقد يشير انسحاب “فاغنر” إلى تحول ما في استراتيجية روسيا أو أولوياتها، في خطوة يحتمل أن تلقي بظلالها على علاقاتها مع الدول المتأثرة، وقد تحتاج روسيا إلى إيجاد طرق بديلة للحفاظ على مصالحها الجيوسياسية وحماية استثماراتها الاقتصادية في المنطقة.
الرابط المختصر https://gulfnews24.net/?p=64165