لهذه الأسباب تدفع السعودية لخفض أسعار النفط

في العادة، لا تسعى الكارتلات – ومن بينها منظمة أوبك – إلا لهدف واحد: رفع الأسعار. وأوبك، التي تقودها السعودية، هي المثال النموذجي على ذلك. إذن، لماذا تدفع المملكة، وهي رأس الحربة في المنظمة، نحو خفض الأسعار؟.

قال تحليل لوكالة بلومبيرغ إنه ظاهريًا، يبدو أن المملكة تحاول إعادة الانضباط داخل صفوف المنتجين “المارقين” مثل كازاخستان والعراق والإمارات، الذين يتجاوزون حصصهم الإنتاجية.

ومن خلال التصويت في اجتماعات “أوبك+” لصالح زيادة الإنتاج الجماعي، تأمل الرياض أن يؤدي انخفاض الأسعار الناتج إلى إجبار المخالفين على الالتزام.

وهذا التفسير منطقي لأسباب عدة: لأن المخالفات حقيقية وتتزايد، ولأن الدول المعنية تجاهلت التحذيرات، ولأن السعودية سبق أن استخدمت هذه الاستراتيجية، كما حدث في حروب الأسعار أعوام 1985-1986، و1998، و2020.

لكن  لفهم السياسة النفطية السعودية، من الأفضل دائمًا النظر إلى ما تفعله المملكة، لا إلى ما تقوله – سواء في العلن أو خلف الأبواب المغلقة. ومن حيث الفعل، المسار واضح: زيادة الإنتاج، وبالتالي انخفاض الأسعار.

الأهم من ذلك أن السعودية لم تبذل أي جهد لدعم السوق أو تحفيزه. بل على العكس، فقد أوصلت مؤخرًا رسائل هادئة إلى أعضاء أوبك وخارجها مفادها: يمكننا التعايش مع أسعار منخفضة للنفط.

وبين السطور، يبدو أن الرياض تسعى للإبقاء على سعر خام برنت أقل من 70 دولارًا للبرميل – وربما أقل – وهو انحراف كبير عن سياسة “السعودية أولًا” السابقة التي كانت تهدف إلى الحفاظ على الأسعار قريبة من 100 دولار.

وإن فهم هذا التحول مهم للغاية مع اقتراب الاجتماع المقبل لمجموعة الثماني من “أوبك+” في 5 مايو. ومع أن معاقبة المتجاوزين هدف واضح، إلا أن كازاخستان تبدو فائدة جانبية أكثر من كونها السبب الرئيسي لهذا التوجه الجديد.

والسياسة النفطية السعودية معقدة ومتعددة الأبعاد، وقد تسعى لتحقيق عدة أهداف في آن واحد. فيما يلي أهم الدوافع المحتملة:

التخلي عن سياسة “100 دولار للبرميل”:

– أدركت السعودية أن استراتيجيتها السابقة كانت غير مستدامة، لأنها تطلبت خفضًا مستمرًا في الإنتاج.

– في عام 2024، سجل إنتاج المملكة أدنى مستوياته منذ 2011. ولو استمرت في السعي وراء الأسعار المرتفعة، لما كانت قادرة على رفع إنتاجها في 2025 أو 2026.

– وكانت التوقعات لما بعد ذلك – 2027 و2028 – تُشير إلى صعوبات في التوسع، ما قد يُجبرها على الاكتفاء بمستوى إنتاج منخفض بشكل دائم.

استعداد لعودة إيران وفنزويلا:

– وزير الطاقة السعودي، الأمير عبد العزيز بن سلمان، اعترف مرارًا – على الأقل في جلسات مغلقة – أن بلاده استفادت من العقوبات الأميركية على إيران وفنزويلا.

– لكن، إذا عادت أي من الدولتين للإنتاج الكامل، فستُجبر السعودية على مواجهة إما انخفاض الأسعار أو خفض إنتاجها أو كلاهما.

– ومع بدء محادثات البيت الأبيض مع طهران، قد يكون من الحكمة للسعودية زيادة إنتاجها مسبقًا استعدادًا للمفاوضات المقبلة داخل “أوبك+” حول كيفية التعامل مع عودة الطاقات المعطّلة.

مواجهة منتجين خارجيين – وخاصة الولايات المتحدة:

– في الماضي، خاضت السعودية حرب أسعار ضد منتجين من خارج أوبك+، أبرزهم منتجو النفط الصخري في أميركا.

– بين 2014 و2016، أغرقت السوق لتُجبرهم على الإغلاق. حينها، قال وزير النفط الأسبق علي النعيمي: “إما أن تُخفضوا تكاليفكم، أو تقترضوا، أو تخرجوا من السوق”.

لكن، في الوقت الحالي، إعلان حرب جديدة على النفط الصخري سيكون محفوفًا سياسيًا بالمخاطر.

صحيح أن ترامب يريد خفض أسعار النفط، حتى لو أضر ذلك بصناعة الطاقة الأميركية، لكن كثيرًا من المشرعين الأميركيين – مثل السيناتور تيد كروز من تكساس، وليزا موركوفسكي من ألاسكا – قد يعارضون بشدة.

العلاقة مع روسيا لم تعد استراتيجية:

– عملت السعودية وروسيا سويًا في تحالف “أوبك+” لما يقرب من عقد، لكن هذه العلاقة كانت دومًا علاقة مصلحية أكثر من كونها استراتيجية.

– الآن، ومع تقرب بوتين من ترامب، ربما بدأت الرياض تشعر بتحول في نبرة موسكو، ما يدفعها لتحوّط مسبق عبر زيادة الإنتاج قبل حدوث شرخ فعلي في التحالف.

صفقة شاملة مع واشنطن:

– السعودية منخرطة في محادثات مع واشنطن بشأن عدة ملفات: ضمانات دفاعية، صفقات سلاح، الملف الإيراني، وبرنامج نووي مدني سعودي.

– ولا شك أن النفط يلعب دورًا تفاوضيًا في هذه المحادثات.

– من المقرر أن يزور ترامب الرياض في مايو، لتكون محطته الخارجية الثانية بعد مشاركته في جنازة البابا في روما.

قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.