تتفاعل في لبنان قضية مثيرة للجدل تكشف عن تداخل معقّد بين الطموحات السياسية والبحث المحموم عن الرعاية الخارجية، بعد فتح تحقيق رسمي مع رجل يُشتبه في انتحاله صفة شخصية سعودية نافذة وادعائه امتلاك قنوات اتصال مباشرة مع الديوان الملكي في الرياض، مقابل مبالغ مالية ونفوذ سياسي وهمي.
وبحسب مصادر أمنية، فإن المشتبه به، المعروف باسم “أبو عمر” أو “الأمير المزيف”، بنى على مدى سنوات صورة زائفة عن نفسه بوصفه وسيطًا موثوقًا بين مسؤولين لبنانيين والمملكة العربية السعودية، مستغلًا حساسية العلاقة بين بيروت والرياض، ورغبة بعض القوى السياسية في استعادة أو تعزيز الدعم الخليجي.
وتشير التحقيقات الأولية إلى أن الرجل، واسمه الحقيقي مصطفى الحسن، هو مواطن لبناني من منطقة عكار شمال البلاد، ولا يمتلك أي صفة رسمية أو غير رسمية تخوّله الحديث باسم السعودية.
وتؤكد المصادر أنه لا توجد له أي صلات مع مؤسسات الحكم في الرياض، خلافًا لما كان يروّجه عبر اتصالات هاتفية ورسائل متكررة.
واللافت في القضية أن “الأمير المزعوم” لم يظهر يومًا في أي مناسبة رسمية سعودية أو لقاء علني، وكان يصرّ على أن تبقى اتصالاته “غير معلنة” و”بعيدة عن القنوات الدبلوماسية”، وهو ما اعتُبر لاحقًا عنصرًا مركزيًا في كشف الخدعة.
وقال مسؤول أمني لبناني إن “القضية تقوم على نمط احتيال كلاسيكي، لكنه مغلف بخطاب سياسي حساس”، مضيفًا أن التحقيق لا يزال مفتوحًا لتحديد حجم الأموال التي جرى تحصيلها، والجهات التي تواصلت معه أو اعتمدت على وعوده.
وتشير المعلومات إلى أن انكشاف القضية بدأ عندما ساور الشك إحدى النائبات بعد تلقيها اتصال تعزية من شخص قدّم نفسه بصفته أميرًا سعوديًا، في سياق بدا غير منطقي، ما دفعها إلى إبلاغ جهات أخرى، لتبدأ خيوط القصة بالانكشاف.
توقيف وتداعيات سياسية
في منتصف ديسمبر، أعلنت وسائل إعلام لبنانية توقيف المشتبه به بتهمة انتحال صفة أجنبية حساسة، في خطوة أعادت فتح نقاش واسع حول هشاشة المشهد السياسي اللبناني، واستعداد بعض أطرافه لتصديق أي نافذة خارجية محتملة، مهما بدت واهية.
وسرعان ما تجاوزت القضية بعدها القضائي، لتتحول إلى مادة سجال سياسي وإعلامي، خاصة في بلد لطالما لعبت فيه العواصم الإقليمية والدولية دورًا مؤثرًا في تشكيل التحالفات الداخلية.
وقد أصدرت عائلة الموقوف بيانًا دافعت فيه عنه، معتبرة أنه “شخص بسيط” جرى استغلاله أو الزج باسمه في قضية أكبر منه، مؤكدة ثقتها بالقضاء اللبناني، وحرصها على عدم الإساءة إلى العلاقات اللبنانية – السعودية.
غير أن هذا الدفاع لم يُخفف من حدة الانتقادات، بل زاد من الأسئلة حول البيئة التي تسمح بانتشار مثل هذه الادعاءات، وحول غياب آليات التدقيق لدى بعض الفاعلين السياسيين.
وفي تعليق لافت، قال النائب جميل السيد إن القضية لا ينبغي أن تُختصر في شخص محتال، بل يجب أن تُقرأ بوصفها مؤشرًا على خلل أعمق.
وأضاف: “المشكلة ليست في من يدّعي النفوذ، بل في من يبحث عنه خارج المؤسسات، ويصدّق أي قناة غير رسمية”.
ويرى مراقبون أن هذه الفضيحة تعكس أزمة ثقة عميقة في النظام السياسي اللبناني، حيث يدفع الانسداد الداخلي والانهيار الاقتصادي بعض السياسيين إلى التعويل على وساطات خارجية، حتى وإن كانت وهمية، ما يفتح الباب أمام الاستغلال والابتزاز.
وبينما يواصل القضاء اللبناني تحقيقاته، تبقى القضية مثالًا صارخًا على تداخل الوهم بالسياسة، وعلى كلفة الارتهان لسراب النفوذ الخارجي في بلد يعاني أصلًا من أزمة سيادة وثقة غير مسبوقة.
الرابط المختصر https://gulfnews24.net/?p=73465