كيف تواطأت الإمارات مع الاعتراف الإسرائيلي بإقيلم أرض الصومال؟

بينما سارع العالم العربي والإسلامي إلى إدانة اعتراف إسرائيل بإقليم أرض الصومال كدولة مستقلة، بوصفه اعتداءً صريحًا على سيادة دولة عربية وإفريقية عضو في الأمم المتحدة، برز موقف واحد صادم في صمته: الإمارات العربية المتحدة.

إذ لم يصدر بيان، ولم تُسجَّل إدانة، ولم تحاول أبوظبي حتى استخدام لغتها الدبلوماسية الملتبسة المعتادة. كان الصمت هذه المرة فاضحًا، ومعبّرًا أكثر من أي تصريح.

وجاء الاعتراف الإسرائيلي بإقليم صوماليلاند محمّلًا بدلالات جيوسياسية خطيرة، تمس وحدة الصومال واستقرار القرن الإفريقي، وتفتح الباب أمام إعادة رسم الحدود بالقوة السياسية والدعم الخارجي.

لذلك، لم يكن مستغربًا أن تصدر إدانات واضحة من دول مثل تركيا ومصر والسعودية وقطر والكويت والأردن، إضافة إلى بيان إسلامي–عربي واسع ضم أكثر من عشرين دولة. الاستثناء الوحيد اللافت كان الإمارات، الشريك المقرّب لتل أبيب منذ توقيع «اتفاقيات إبراهيم».

وبحسب مراقبين فإن هذا الصمت لا يمكن فصله عن الدور الإماراتي المتغلغل في صوماليلاند خلال السنوات الأخيرة. فبينما تتظاهر أبوظبي بدعم وحدة الصومال في بياناتها الرسمية، كانت على الأرض تبني نفوذًا عسكريًا واقتصاديًا مباشرًا في الإقليم الانفصالي.

ويبرز المراقبون أن القاعدة العسكرية الإماراتية في بربرة ليست تفصيلًا هامشيًا، بل حجر زاوية في استراتيجية إقليمية أوسع، تمتد من خليج عدن إلى اليمن، وتخدم حسابات أمنية وتجارية تتقاطع بوضوح مع المصالح الإسرائيلية والأميركية.
وتؤكد تقارير دولية متطابقة أن القاعدة الإماراتية في بربرة، التي أُقرّت عام 2017، لعبت دورًا لوجستيًا في العمليات العسكرية في اليمن.
والمدرج الذي يمتد لأربعة كيلومترات، القادر على استقبال طائرات ثقيلة ومقاتلات، والميناء الجاري تطويره ليكون ميناء مياه عميقة، كلها مؤشرات على أن الإمارات لا تتعامل مع صوماليلاند كـ«إقليم» تابع للصومال، بل ككيان مستقل قابل للتوظيف العسكري والاستراتيجي.
في هذا السياق، يبدو الاعتراف الإسرائيلي تتويجًا لمسار طويل، لا خطوة مفاجئة. إسرائيل نفسها لم تُخفِ الدوافع، إذ قال مسؤول سياسي إسرائيلي بوضوح: «انظروا إلى الموقع الاستراتيجي لصوماليلاند وستفهمون كل شيء».
والموقع هنا يعني باب المندب، وخطوط التجارة العالمية، والاقتراب من السواحل العربية والإفريقية الحساسة. وهي ذاتها الاعتبارات التي جعلت الإمارات تستثمر سياسيًا وعسكريًا في الإقليم منذ سنوات.
الأخطر أن أبوظبي تلعب على مسارين متناقضين بلا أي حرج. فمن جهة، تستقبل الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود، وتؤكد دعمها لـ«التنمية والاستقرار» في الصومال.
ومن جهة أخرى، تحافظ على علاقات وثيقة مع قيادة صوماليلاند، وتدير قاعدة عسكرية على أرضها، وتغضّ الطرف عن اعتراف إسرائيلي يقوّض سيادة الدولة التي تزعم دعمها. هذا ليس توازنًا دبلوماسيًا، بل ازدواجية سياسية صريحة.
ويصبح الصمت الإماراتي أكثر دلالة عندما يُقارن بالموقف الإسرائيلي العلني، بل المتباهِي.
فوزير الخارجية الإسرائيلي غدعون ساعر كشف عن زيارة سرية لرئيس صوماليلاند إلى إسرائيل ولقائه نتنياهو ووزير الدفاع ومدير الموساد. هذا المستوى من التنسيق لا يمكن فصله عن شبكة التحالفات الجديدة في المنطقة، والتي تمثل الإمارات أحد أعمدتها الأساسية، سياسيًا ولوجستيًا.
في المقابل، حاولت تل أبيب تصوير الإدانات العربية على أنها «ازدواجية أخلاقية»، متهمة الدول التي دعمت فلسطين برفض «دولة خرجت من رحم الإرهاب».
غير أن هذا الخطاب لم يجد من يردده عربيًا سوى الصمت الإماراتي، الذي بدا كأنه موافقة ضمنية أو على الأقل امتناع متعمّد عن الاعتراض، حفاظًا على تقاطع المصالح.

قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.