عندما شنت حكومة بشار الأسد حملة قمع وحشية ضد المتظاهرين في عام 2011، أراد الرئيس السابق باراك أوباما تشديد العقوبات لكنه واجه معضلة. فقد كانت سوريا بالفعل خاضعة لعقوبات شديدة لدرجة أن الحبال التي تربطها بالنظام المالي العالمي لم تعد تُقطع.
وفي عام 2011، قال مسؤول أميركي لصحيفة نيويورك تايمز: “نحن نتحدث عن بلد يبلغ حجم اقتصاده نفس حجم اقتصاد بيتسبرغ” .
ومن الجدير أن نتذكر هذه المناقشات مع اقتراب عام 2024 من نهايته، ومع سعي الحكومات الغربية والإقليمية إلى إشراك الحكومة السورية الجديدة، التي تقودها هيئة تحرير الشام.
وستسعى جماعات حقوق الإنسان ومنظمات الإغاثة إلى توسيع نطاق المساعدات إلى سوريا، حيث يعيش ما يقدر بنحو 90 في المائة من سكان البلاد في فقر.
وتتطلع تركيا، التي تتمتع بعلاقات وثيقة مع هيئة تحرير الشام، إلى فرص إعادة الإعمار السورية.
وقد تعمل دول الخليج الغنية بالنفط، بما في ذلك الإمارات العربية المتحدة وقطر والمملكة العربية السعودية، على توسيع نفوذها في سوريا، الواقعة في قلب بلاد الشام، في وقت تتراجع فيه إيران. وإذا بدأت عملية إعادة الإعمار في سوريا، فقد يكون ذلك بمثابة نعمة للشركات الهندسية الأوروبية والأميركية، كما قال مسؤول عربي لموقع ميدل إيست آي.
في الآونة الأخيرة، تركز الحديث عن تخفيف العقوبات على هيئة تحرير الشام، وهي منظمة تابعة لتنظيم القاعدة سابقًا وتخضع لعقوبات من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.
وفي ديسمبر/كانون الأول، رفعت الولايات المتحدة مكافأة قدرها 10 ملايين دولار عن زعيم هيئة تحرير الشام أحمد الشرع، المعروف أيضًا باسمه الحركي أبو محمد الجولاني، بعد لقائه بمسؤولين أمريكيين كبار في دمشق.
وكانت تقارير صحيفة ذكرت في وقت سابق أن الولايات المتحدة تدرس إلغاء المكافأة باعتبارها “خطوة أولى” للانخراط مع حكام سوريا الجدد. ولا تزال هيئة تحرير الشام خاضعة للعقوبات ومصنفة كجماعة إرهابية في الولايات المتحدة.
لكن الواقع هو أن العقوبات المفروضة على هيئة تحرير الشام ليست سوى قطرة في بحر، مقارنة بنظام العقوبات المتداخل على سوريا والذي استغرق خمسة عقود من الزمن في الإعداد، حتى قبل الربيع العربي في عام 2011 والحرب الأهلية السورية.
وعندما تولى حافظ الأسد السلطة في سوريا بانقلاب عام 1970، كانت سوريا تتلقى مساعدات مالية وعسكرية من الاتحاد السوفييتي. وكان الأسد الأب معروفًا بإبقاء القنوات مفتوحة مع الولايات المتحدة وأعدائها في الحرب الباردة، ولكن في عام 1979، اختلف مع الولايات المتحدة بشأن لبنان، وتم تصنيف سوريا كدولة راعية للإرهاب.
وجاءت هذه العقوبات بعد أن فرض حزب البعث الذي يتزعمه الأسد سياسة التأميم الشاملة التي أدت إلى طرد الطبقة البرجوازية القديمة من رجال الأعمال في سوريا وردع الاستثمارات الغربية.
وقد وضع هذا التصنيف سوريا في نفس الفئة مع كوبا وإيران كدولة راعية للإرهاب وفرض قيوداً جديدة شاملة على المساعدات الخارجية الأميركية، وحظراً على مبيعات الدفاع، وضوابط التصدير للسلع ذات الاستخدام المزدوج، وغير ذلك من القيود المالية.
ورغم هذا التصنيف، ظلت سوريا محل استمالة من جانب الغرب، وكانت العقوبات تطبق بشكل رئيسي على المعاملات التي تشمل الحكومة السورية.
وتحسنت العلاقات بين الولايات المتحدة وسوريا لفترة وجيزة بعد انضمام الأسد الأب إلى التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة لمحاربة صدام حسين في حرب الخليج الأولى، ولكنها توترت بسبب علاقات سوريا بحماس والجهاد الإسلامي وتدفق المقاتلين الأجانب من سوريا إلى العراق بعد الغزو الأمريكي عام 2003.
وأدت هذه التوترات إلى إطلاق أول موجة ضخمة من العقوبات على سوريا.
في عام 2003، أقر الكونجرس قانون محاسبة سوريا واستعادة السيادة اللبنانية، وفي العام التالي فرض الرئيس السابق جورج دبليو بوش عقوبات شاملة على سوريا. وحظرت الولايات المتحدة جميع الصادرات الأميركية إلى سوريا، باستثناء الغذاء والأدوية الأساسية. ثم في عام 2006، حظرت الولايات المتحدة المعاملات مع البنك التجاري السوري.
كانت الروابط المالية بين سوريا والولايات المتحدة مقيدة بشدة، ولكنها لم تنقطع تماما عن الولايات المتحدة. على سبيل المثال، استمرت الحكومة الفيدرالية الأميركية أيضا في تمويل طلاب اللغة العربية بمنح بمبالغ ضخمة للدراسة في جامعة دمشق حتى عام 2011 تقريبا.
وقد تصاعدت العقوبات الأمريكية على سوريا بشكل كبير بعد حملة القمع الوحشية التي شنها الأسد على المتظاهرين ومع اشتعال الحرب الأهلية.
وفرضت الولايات المتحدة عقوبات على رجال الأعمال السوريين والبنوك والحكومة. وانخفض حجم التجارة الثنائية بين الولايات المتحدة وسوريا، والذي بلغ نحو 900 مليون دولار في عام 2010، إلى أقل من 60 مليون دولار في عام 2012.
وتركزت العلاقات الاقتصادية الأميركية منذ ذلك الحين حول شمال شرق سوريا، الذي تسيطر عليه قوات سوريا الديمقراطية التي يقودها الأكراد.
وفي عام 2020، حصلت شركة أميركية على إعفاء من العقوبات لتطوير حقول النفط في المنطقة، لكن هذا المشروع تلاشى.
وبعد عام 2011، فرض الاتحاد الأوروبي عقوبات مماثلة على سوريا، على غرار العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة. وكانت شبكة العقوبات تنقسم إلى فئتين. استهدفت الأولى أفراداً بحظر السفر وتجميد الأصول.
أما الإجراء الثاني فكان يهدف إلى منع الحكومة السورية من الوصول إلى القنوات المالية العالمية، وكبح الواردات السورية من الدول الغربية، وحظر صادرات النفط السورية.
وتتمتع العقوبات الأميركية على وجه الخصوص بثقل كبير لأن الدولار هو العملة الاحتياطية العالمية، وتتم معظم التجارة الدولية عبره.
بعد اندلاع الحرب الأهلية السورية، بدأت الولايات المتحدة في تنفيذ عقوبات ثانوية، مما يعني أن أي شخص يتعامل تجارياً مع كيان سوري خاضع للعقوبات قد يرى قدرته على الوصول إلى الاقتصاد القائم على الدولار الأميركي مقيداً.
كانت العقوبات تعني أنه حتى بعد انتزاع حكومة الأسد السيطرة على ثلثي سوريا من المتمردين، لم تتمكن من الخروج من العزلة. زار الأسد الإمارات العربية المتحدة في عام 2022 وانضم في العام التالي إلى جامعة الدول العربية، لكن دول الخليج التي تستثمر على نطاق واسع في الولايات المتحدة وتتاجر في نفطها بالدولار رفضت المساهمة في إعادة الإعمار.
الرابط المختصر https://gulfnews24.net/?p=69888