تواجه السعودية شكوكًا متزايدة بشأن قدرتها على الوفاء بتعهدها استثمار ما يقارب تريليون دولار في الولايات المتحدة، في ظل ضغوط مالية داخلية، وتراجع أسعار النفط، واتساع متطلبات الإنفاق المرتبطة برؤية 2030، وفق محللين وخبراء اقتصاديين.
وكان ولي العهد السعودي محمد بن سلمان أعلن التعهد خلال زيارته إلى واشنطن الشهر الماضي، في خطوة وُصفت بأنها توسّع كبير مقارنة بتعهد سابق بقيمة 600 مليار دولار أُعلن في مايو/أيار خلال زيارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى الرياض.
غير أن محللين يرون أن الرقم الجديد أقرب إلى رسالة سياسية موجهة لواشنطن منه إلى التزام استثماري قابل للتنفيذ ضمن أطر زمنية واضحة.
ويأتي هذا التعهد في سياق تنافس متصاعد بين الولايات المتحدة والصين على النفوذ الاقتصادي والسياسي في السعودية، أكبر مصدر للنفط في العالم.
ففي حين تسعى واشنطن إلى تحصين شراكتها مع الرياض، كانت الصين قد وقّعت مع السعودية صفقات تجارية بنحو 30 مليار دولار خلال زيارة الرئيس الصيني شي جين بينغ عام 2022، شملت الطاقة والبنية التحتية والتكنولوجيا.
وشملت الاتفاقيات المعلنة بين الرياض وواشنطن في نوفمبر/تشرين الثاني مشاريع في البنية التحتية الأميركية، والتكنولوجيا، والصناعة، إلى جانب اتفاق للتعاون في الطاقة النووية المدنية ومذكرة تفاهم في مجال الذكاء الاصطناعي.
ورغم ترحيب البيت الأبيض بهذه الصفقات، عبّر محللون عن شكوكهم بشأن مصادر تمويلها وقدرة السعودية على تنفيذها بالكامل.
وقال نيو شينتشون، مدير معهد دراسات الشرق الأوسط في معاهد الصين للعلاقات الدولية المعاصرة، إن حجم الاستثمارات التي يمكن للسعودية ضخها فعليًا في الولايات المتحدة «غير واضح»، مشيرًا إلى أن أسعار النفط المنخفضة وتزايد الإنفاق المحلي يفرضان قيودًا جدية على السيولة المتاحة.
وأوضح أن السعودية سبق أن تعهدت خلال زيارة ترامب عام 2017 باستثمارات واتفاقيات بقيمة 450 مليار دولار، إلا أن جزءًا كبيرًا منها لم يتحقق. وأضاف أن سد الفجوة التجارية عبر الاستثمارات يتطلب نموًا مستدامًا في الصادرات الأميركية إلى السعودية، وهو أمر غير مرجّح بالوتيرة المطلوبة.
وتشير التوقعات الاقتصادية إلى استمرار ضعف أسعار النفط خلال السنوات المقبلة.
وكانت وزارة المالية السعودية قد توقعت تسجيل عجز بقيمة 165 مليار ريال في عام 2026، ما يعادل 44 مليار دولار، أي نحو 3.3% من الناتج المحلي الإجمالي.
كما حذّر صندوق النقد الدولي من أن العام المقبل سيكون «محوريًا» للمملكة، مع ارتفاع الاحتياجات التمويلية وتراجع الإيرادات النفطية.
ويُعد صندوق الاستثمارات العامة، الذي يدير أصولًا تقارب تريليون دولار، الأداة الرئيسية للاستثمارات الخارجية السعودية.
غير أن الصندوق يواجه ضغوطًا متزايدة بسبب التزامه بتمويل مشاريع رؤية 2030، حيث تجاوز الإنفاق المحلي 70% من موارده، بحسب تصريحات رسمية سابقة.
وقال جون كالابريس، الخبير في السياسة الخارجية الأميركية، إن متطلبات رؤية 2030 تستنزف الجزء الأكبر من القدرة الاستثمارية للمملكة، حتى مع تقليص أو تأجيل مشاريع ضخمة مثل «نيوم»، الذي تُقدَّر كلفته بنحو 500 مليار دولار.
وتعزز هذه الشكوك تقارير إعلامية، من بينها ما نشرته صحيفة نيويورك تايمز، أفادت بأن صندوق الاستثمارات العامة يواجه تحديات مالية وأن عددًا من مشاريعه يعاني من تعثر أو تباطؤ.
ويرى محللون أن تعهد التريليون دولار يفتقر إلى تعريف واضح لمفهوم «الاستثمار»، سواء من حيث الإطار الزمني أو مصادر التمويل أو طبيعة الصفقات.
وقال جيسي ماركس، مدير شركة «ريهلا للأبحاث والاستشارات»، إن التعهد يجب فهمه كإشارة سياسية مرنة أكثر منه التزامًا ماليًا مباشرًا.
وأضاف أن تنفيذ هذا الحجم من الاستثمارات يعتمد على استخدام الرافعة المالية، وجذب رؤوس أموال خاصة، وإشراك مستثمرين أجانب، وليس على التمويل السيادي المباشر فقط.
وذهب يحيى زبير، الزميل في مجلس الشرق الأوسط للشؤون العالمية، إلى أن السعودية تستخدم «دبلوماسية رأس المال» لحشد استثمارات خارجية تخدم في النهاية أولوياتها الداخلية، وعلى رأسها رؤية 2030.
في المحصلة، يرى محللون أن تعهد السعودية باستثمار تريليون دولار في الولايات المتحدة يواجه فجوة واضحة بين الطموح والقدرة التنفيذية، في ظل بيئة اقتصادية ضاغطة وتزاحم الأولويات الداخلية والخارجية، ما يجعله حتى الآن التزامًا سياسيًا أكثر منه برنامجًا استثماريًا قابلًا للتحقق الكامل.
الرابط المختصر https://gulfnews24.net/?p=73495