تسعى دول الخليج مع استمرار النزاعات في الشرق الأوسط وازدياد حدتها في مناطق عديدة مثل غزة ولبنان،وخاصة السعودية، إلى طمأنة المستثمرين العالميين بأن المنطقة لا تزال آمنة للاستثمار.
جاء ذلك خلال المنتدى الاستثماري السنوي الفاخر للمملكة، المعروف بمنتدى “دافوس الصحراء”، حيث عرض القادة الخليجيون استراتيجيات لتعزيز التنمية الاقتصادية في وقت تتصاعد فيه التوترات الإقليمية.
وبرغم أن النزاع الإقليمي لم يؤثر مباشرة على دول الخليج حتى الآن، إلا أن هناك قلقًا متزايدًا من أن التصعيد قد يُعيق خطط دول المنطقة لتنويع اقتصاداتها بعيداً عن الاعتماد على النفط، إذ تسعى السعودية، بقيادة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، إلى تنويع مواردها الاقتصادية وتخفيف اعتمادها على النفط من خلال رؤية السعودية 2030، التي تهدف إلى بناء اقتصاد متنوع ومستدام.
ويتطلب تحقيق هذه الرؤية بيئة مستقرة، وهو ما يشكّل تحديًا في ظل التوترات المستمرة في المنطقة.
بدوره أكد خالد الفالح، وزير الاستثمار السعودي، على أن الاقتصاد الخليجي يواجه تحديات جمة لكنه شدد على وجود “رياح مواتية” تدفع نحو النمو، وأوضح أن النزاعات الإقليمية لن تُثني السعودية ودول الخليج عن المضي قدمًا في خططها الطموحة.
ويعد منتدى مبادرة مستقبل الاستثمار، المعروف بدافوس الصحراء، الحدث الأهم في السعودية لجذب المستثمرين العالميين واستقطاب رؤوس الأموال، ويقام هذا الحدث على مدار ثلاثة أيام في العاصمة الرياض، ويحضره كبار رجال الأعمال والمستثمرين، مثل ديفيد سولومون المدير التنفيذي لـ”جولدمان ساكس”، ولاري فينك المدير التنفيذي لشركة “بلاك روك”.
ويهدف المنتدى إلى تسهيل الشراكات الاستثمارية وتعزيز الفرص في مختلف القطاعات الاقتصادية، مثل الطاقة المتجددة، والتكنولوجيا، والرياضة، والسياحة، والترفيه، وهي قطاعات تمثل أسس الرؤية الاقتصادية للمملكة.
من جهته افتتح ياسر الرميان، رئيس صندوق الاستثمارات العامة السعودي والذي تبلغ قيمته 925 مليار دولار، فعاليات المنتدى بكلمة تحفيزية للمستثمرين، واستعرض سعي المملكة لجذب الاستثمارات وتوفير بيئة مستقرة لنجاح الأعمال التجارية رغم التحديات.
وضمن جهودها لجذب المستثمرين الأجانب، قامت السعودية بتنفيذ حزمة من الإصلاحات القانونية والتشريعية، تهدف إلى تحسين المناخ الاستثماري وتعزيز الشفافية والتكافؤ بين المستثمرين المحليين والأجانب.
وتشمل الإصلاحات الجديدة دعم قضايا حماية حقوق المستثمرين، وضمان بيئة قانونية أكثر جاذبية للاستثمار، مما يعزز الثقة لدى الشركاء العالميين.
وتأتي هذه الإصلاحات ضمن سعي السعودية إلى ترسيخ مكانتها كمركز استثماري حيوي على مستوى الشرق الأوسط.
وأدركت دول الخليج، ولا سيما السعودية، أهمية الحفاظ على علاقات وطيدة مع الدول الغربية، خصوصاً في سياق الإصلاحات الاقتصادية والسياسية، فعلى الرغم من الانتقادات الغربية المتعلقة بحقوق الإنسان، تعتبر الولايات المتحدة السعودية شريكًا استراتيجيًا.
وكانت زيارة الرئيس جو بايدن إلى المملكة عام 2022 مؤشرًا على أهمية السعودية في السياسة الأمريكية، حتى مع التوترات الدبلوماسية التي رافقت حادثة مقتل الصحفي جمال خاشقجي.
علاوة على ذلك، بدأت بعض دول الخليج، مثل الإمارات، في بناء علاقات دبلوماسية مع إسرائيل ضمن اتفاقات التطبيع التي تم توقيعها عام 2020، وبرغم أن السعودية لم تلحق بالإمارات في هذا الشأن، إلا أنها أشارت إلى إمكانية اتخاذ خطوات مماثلة مستقبلاً إذا كانت تصب في مصلحة المنطقة.
إضافة إلى التحديات السياسية الأخرى في المنطقة، قد تؤثر على مساعي الخليج لتنويع اقتصاداتها، حيث يُعتقد أن انخراط إيران المتزايد في النزاعات يضع دول الخليج في موقف حساس، خاصة مع دعمها للمقاومة بمختلف أشكالها، ورغم أن دول الخليج تحاول البقاء بعيدًا عن هذه الصراعات، إلا أن خطر اندلاع مواجهات جديدة يشكل تهديدًا محتملًا، ما يجعل استراتيجياتها في مواجهة النزاعات أمراً بالغ الأهمية.
وتشير آنا جاكوبس، محللة الشؤون الخليجية في مجموعة الأزمات الدولية، إلى أن قادة الخليج يسعون إلى تقديم صورة للمنطقة كمركز حيوي للأعمال والسياحة والابتكار، بعيداً عن الصراعات الإقليمية، ويرى بدر السيف، أستاذ التاريخ المساعد في جامعة الكويت، أن دول الخليج تواجه تحدي التحرك بحذر، مؤكدًا أن هناك حدودًا لمدى قوة الخليج في التأثير على الأوضاع الإقليمية.
بصفة عامة، تأمل دول الخليج أن تستمر في جذب الاستثمارات وتحقيق التنمية الاقتصادية على الرغم من التحديات الإقليمية.
ويؤكد قادة الخليج أن نجاح مشاريعهم يعتمد على التعاون المستمر مع شركائهم الدوليين، والابتعاد عن الصراعات، مع التركيز على خلق بيئة مستقرة وآمنة للاستثمار.
الرابط المختصر https://gulfnews24.net/?p=68784