بينها ثلاث دول خليجية.. خمس دول عربية تقود طفرة استثمارية

أبرزت مؤسسة فنك الأوروبية تحقيق خمس دول عربية طفرة استثمارية من بينها ثلاث دول خليجية هي قطر والسعودية والإمارات.

وذكرت المؤسسة أنه خلال العام 2022، شهدت المنطقة العربية قفزةً كبيرةً على مستوى مشاريع الاستثمار الأجنبي المباشر.

إذ ارتفع عدد هذه المشاريع على أساس سنوي بنسبة 74%، ليبلغ 1617 مشروعًا في نهاية السنة، بحسب تقرير المؤسسة العربية لضمان الاستثمار وائتمان الصادرات.

أما من حيث الحجم، فقد ارتفعت قيمة هذه المشاريع الإجمالية لتصل إلى حدود ال200 مليار دولار أميركي، أي بزيادة نسبتها 358% مقارنة بالعام السابق.

وفي العام 2023، استمرت المنطقة العربية باجتذاب الاستثمارات الأجنبية بشكل متزايد، ليرتفع عدد هذه المشاريع في الثلث الأول من العام بنسبة 28%، مقارنة بالفترة عينها من العام السابق، ولترتفع قيمتها الإجمالية بنسبة 70%.

هكذا، تشير الأرقام بشكل واضح إلى أن المنطقة العربية تشهد طفرة استثمارية لافتة ومفاجئة، مقارنة بسنوات العقد الفائت.

والدخول أكثر في التفاصيل، يكشف أن هناك خمس دول عربية رئيسة قادت هذه الطفرة الاستثمارية، وهي مصر وقطر والمغرب والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة.

وهذه الدول الخمس، حظيت وحدها باستثمارات إجمالية قاربت قيمتها ال176.1 مليار دولار أميركي خلال العام 2022، أي ما يوازي 88% من حجم الاستثمارات الإجمالي الذي استقطبته المنطقة العربية مجتمعة، في حين أن حصة جميع الدول العربية الأخرى لم تتجاوز ال12% من إجمالي هذه الاستثمارات.

وبذلك، يتضح سريعًا أن هناك ظروفًا وتطلعات سياسية واقتصادية ساهمت بدفع هذه الدول الخمس بالذات، لقيادة طفرة الاستثمارات الأجنبية المباشرة في المنطقة العربية على هذا النحو، دون أن تشمل هذه الطفرة سائر الدول العربية.

مصر: الاستثمار الأجنبي لمعالجة شح العملة الصعبة

وبحسب تقرير المؤسسة العربية لضمان الاستثمار وائتمان الصادرات، استحوذت مصر وحدها على نحو 107 مليار دولار أميركي، من مشاريع الاستثمار الأجنبي المباشر خلال العام 2022، ما يمثل 54% من إجمالي الاستثمارات التي شهدتها المنطقة العربية.

وأتت هذه الأرقام كنتيجة لمجموعة من السياسات العامة، التي لجأ إليها نظام السيسي للتعامل مع أزمة السيولة التي تمر بها مصر اليوم.

فكما هو معلوم، فإن مصر تعاني منذ سنوات من صعوبات متزايدة في سداد ديونها الخارجية، وذلك بسبب شح العملات الأجنبية الوافدة إلى نظامها المالي. وخلال النصف الثاني من عام 2023، من المفترض أن يستحق على الدولة المصرية ما يقارب ال3.86 مليار دولار أميركي من الديون القصيرة الأجل، بالإضافة إلى 11.38 مليار دولار أميركي من الديون الطويلة الأجل.

ومن بين هذه الديون، هناك نحو 2.95 مليار دولار أميركي من الدفعات التي ينبغي سدادها إلى صندوق النقد الدولي، و1.58 مليار دولار من الأموال التي تستحق لحملة السندات الأجنبية، ما يمثل معضلة كبيرة، بالنظر إلى صعوبة إعادة جدولة ديون هذه الأطراف، في حال عدم توفر السيولة بيد الحكومة المصرية.

لكل هذه الأسباب، يراهن نظام الرئيس عبد الفتاح السيسي على الاستثمار الأجنبي المباشر، لتوفير تدفقات العملة الصعبة باتجاه النظام المالي المصري. ومن ضمن هذا التوجه، أتت قمة المناخ العالمية في شرم الشيخ، التي استهدف من خلالها السيسي تحويل مصر إلى إحدى أهم الأسواق الجاذبة للاستثمار في مجال الطاقة المتجددة.

كما تراهن الحكومة المصرية على خصخصة نسبة من الشركات التي تملكها في جميع القطاعات الاقتصادية، مع ما يمكن أن تجذبه هذه العمليات من رساميل خليجية. وفي الوقت عينه، يتطلع النظام المصري إلى الرساميل التي يمكن أن تجذبها مشاريع القطاع العقاري، التي بلغت قيمتها خلال الربع الأول من 2023 نحو 309.9 مليار دولار.

ومن هذه الزاوية، يمكن فهم رزم الحوافز والتسهيلات التي منحتها الحكومة المصرية بشكل متكرر، لشركات التطوير العقاري وتجار البناء، بالإضافة إلى القرارات التي رفعت القيود عن تملك الأجانب للعقارات.

الدخول في تفاصيل أرقام الاستثمار الأجنبي المباشر في مصر، يؤكد علاقة هذا التوجه الحكومي بالطفرة الاستثمارية التي شهدتها البلاد.

فجزء أساسي من هذه الاستثمارات، جاء بفضل 15 اتفاقية وقعتها القاهرة مع كبرى الشركات العالمية المنتجة للهيدروجين والأمونيا الخضراء، في حين أن 20% من الاستثمار الأجنبي المباشر جاء بفضل عمليات بيع الشركات والأصول المملوكة من قبل الحكومة المصرية.

أما القطاع العقاري، فساهم بدوره بتوفير 9% من حجم الاستثمارات المباشرة والتي استقطبتها البلاد بدورها من الخارج، فيما استقطبت عمليات تأسيس الشركات الجديدة نحو 29% من هذه الاستثمارات.

مع الإشارة إلى أن حركة تأسيس الشركات الجديدة استفادت من التسهيلات والحوافز الضريبية الجديدة التي منحتها الحكومة المصرية، كجزء من رؤيتها لاستقطاب المستثمرين الأجانب.

ومن المبكر اليوم الجزم بمستقبل الأزمة المالية المصرية، كما يصعب التنبؤ بفرص نجاح السياسات التي ينتهجها نظام السيسي. لكن من المؤكد أن مصر قد نجحت بالفعل خلال العام الماضي بالتأسيس لنمو لافت في قطاع الطاقة بالتحديد، من خلال الاستثمارات والمشاريع الجديدة التي تمكنت من استقطابها إلى ذلك القطاع.

ومع ذلك، فثمة الكثير من الخبراء المصريين الذين يحذرون من أثر التوسع في عمليات بيع الأصول العامة والشركات الحكومية، لاسيما أن هذه العمليات تتم حاليًا خلال فترة أزمة مالية، وهو ما يفرض على الدولة المصرية التفريط بهذه الأصول بأسعار منخفضة.

كما تشير هذه التحذيرات إلى أن هذا النوع من العمليات يسهم في تأمين العملة الصعبة على المدى القصير، لكنه لا يمثل حلًا مستدامًا للأزمة النقدية على المدى الأبعد.

قطر: أثر مشاريع البنية التحتية

احتلت قطر المرتبة الثانية في المنطقة العربية، لجهة حجم الاستثمار الأجنبي المباشر الذي تمكنت من استقطابه، والذي بلغ حدود ال29.8 مليار دولار أميركي خلال العام 2022.

وقد جاءت طفرة المشاريع خلال العام الماضي كنتيجة حتمية لحجم الأموال التي خصصتها الحكومة القطرية للتحضير لبطولة كأس العالم، بهدف توسعة البنية التحتية القطرية، وتحضيرها لاستقبال أعددًا قياسية من الزوار في نوفمبر/تشرين الثاني 2022.

ومن الناحية العملية، ساهم كل هذا الإنفاق في استقطاب الشركات التي تولت تنفيذ المشاريع، بالإضافة إلى الاستثمارات السياحية التي استهدفت الاستفادة من هذه المناسبة.

وتجدر الإشارة إلى أن مشاريع البنية التحتية شملت قبل انطلاق بطولة كأس العالم توسعة مطار الدوحة الدولي ومضاعفة قدرته الاستيعابية، بالإضافة إلى استحداث مدينة لوسيل وبناء مترو الدوحة وإنشاء ميناء حمد، بالإضافة إلى إعادة بناء وسط مدينة الدوحة وتطوير المناطق الاقتصادية الحرة.

وتشير تقارير مؤسسة ديلويت إلى أن قطر رصدت ما يقارب ال200 مليار دولار أميركي، بهدف إنجاز كل هذه المشاريع الطموحة.

على أي حال، ورغم انقضاء بطولة كأس العالم بنسختها القطرية، ستستمر قطر بالاستفادة من كل الإنفاق الذي ساهم بتنمية البنية التحتية المحلية، بما فيها الاستثمارات التي تم استقطابها وفقًا لنموذج الشراكة ما بين القطاعين العام والخاص.

وجميع هذه الاستثمارات، ستساعد في تحقيق الوجهة التي اختارها الأمير القطري تميم بن حمد آل ثاني، والتي تركزت على تحويل قطر إلى مركز استقطاب سياحي على مستوى المنطقة.

سياسات تشجيع الاستثمار في المغرب

حلت دولة المغرب في المرتبة الثالثة على مستوى المنطقة العربية، من جهة حجم الاستثمار الأجنبي المباشر الذي تمكنت من استقطابه خلال العام 2022، والذي بلغ حدود ال15.3 مليار دولار أميركي.

لكن وبخلاف مصر وقطر، لم ترتبط هذه الاستثمارات بتوجهات مستجدة على مستوى النظام السياسي، ولا بأحداث استثنائية شهدها العام الماضي، بل جاءت استكمالًا للاستراتيجيات التي انتهجتها المغرب منذ العام 2010، للتحول إلى بلد صناعي وتقليص الاعتماد على السلع المستوردة.

وبالفعل، وبحلول العام 2023، فقد تمكنت المغرب من الوصول إلى المرتبة الأولى على مستوى قارة أفريقيا، لجهة حصتها من القيمة المضافة في قطاع التصنيع في أفريقيا.

وجاءت هذه الطفرة الصناعية بفضل مجموعة ضخمة من الإجراءات التي تم تطبيقها خلال السنوات الماضية، بما فيها التوسع في الإنفاق على البنية التحتية الصناعية، وتطوير نُظم الحوكمة والإدارة العامة، بالإضافة إلى توفير الحوافز والتسهيلات لشركات التصنيع الأجنبية.

وفي النتيجة، تمكنت المغرب في كل سنة من استقطاب خطوط إنتاج جديدة لكبرى الشركات الأجنبية الصناعية، في قطاعات تصنيع السيارات وقطع السيارات وقطع الطائرات، بالإضافة إلى الأسمدة والملابس والمعدات الكهربائية والإلكترونية، ومنتجات الطاقة المتجددة.

وخلال العام 2022، استمرت المغرب بالسير في الاتجاه عينه، بعدما تمكنت خلال الأشهر الخمسة الأولى من العام من اجتذاب 40 ألف طلب لتأسيس شركات جديدة.

السعودية تسبق الإمارات

حلت السعودية في المرتبة الرابعة، باستثمارات أجنبية جديدة قاربت قيمتها 13.2 مليار دولار أميركي عام 2022، بينما حلت الإمارات في المرتبة الخامسة باستثمارات بلغت قيمتها 10.8 مليار دولار أميركي.

وبذلك، تكون السعودية قد نجحت في مسعاها، لتتحول بذلك إلى قطب ينافس الإمارات، على مستوى استقطاب المراكز الإقليمية للشركات الأجنبية في المنطقة.

ومن المهم الإشارة إلى أن الإمارات مثلت تقليديًا المركز الإقليمي الأساسي، الذي يستقطب الحركة المالية للشركات الأجنبية في منطقة الشرق الأوسط.

وتمكنت الإمارات من لعب هذا الدور تاريخيًا بفضل نظامها المالي القوي، واقتصادها المفتوح والمتحرر، بالإضافة إلى تقديمها التسهيلات الضريبية السخية والتنظيمات الإدارية المرنة.

ولهذا السبب، غالبًا ما كان يُشار إلى الإمارات كملاذ ضريبي آمن، قادر على استقطاب رجال الأعمال الأجانب الذين يرغبون بتوظيف أموالهم في بيئة استثمارية جذابة، وبعيدة عن الرقابة الضريبية في بلدانهم الأم.

كما نجح القطاع العقاري الإماراتي، وخصوصًا في دبي، بالتحول إلى عنصر جذب قوي للرساميل الأجنبية، ما عزز حركة الاستثمار الأجنبي المباشر.

لكن منذ وصول ولي العهد السعودي محمد بن سلمان إلى السلطة، بدأ بالعمل على مشروع يستهدف إعداد الرياض كنقطة جذب مالية بديلة، بما ينافس دبي على الدور الذي كانت تلعبه سابقًا.

وكجزء من هذا المسعى الجديد، فرضت السلطات السعودية على الشركات الأجنبية نقل مراكزها الإقليمية إلى الرياض، لتتمكن من العمل مع القطاع العام السعودي.

كما أن السعودية عملت على تقديم حوافز ضريبية ضخمة للمستثمرين الأجانب، ومن ضمنها تمكينهم من العمل في مناطق اقتصادية حرة معفاة من الضرائب. وهكذا، نجحت السعودية في تحقيق هذه النتيجة خلال العام 2022.

وفي خلاصة الأمر، فإن دول المنطقة الخمس تتسابق بأشكال مختلفة على جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة، مع كل ما تقدمه هذه الاستثمارات من فرص على مستوى النمو الاقتصادي وفرص العمل والسيولة بالعملات الأجنبية.

لكن الإشكالية الأساسية تبقى في غياب الدول العربية الأخرى عن حلبة السباق هذه، لضعفِ المقومات التنافسية ربما، أو لفقدانها السياسات العامة الكفيلة باجتذاب الاستثمار الأجنبي.

وهذا ما يفرض على الدول العربية الأخرى دراسة النماذج الخمسة هذه، لتقييم إمكانية أو جدوى اعتماد سياسات مشابهة، أو ربما الاعتماد على خطط مختلفة لاستقطاب المستثمرين الأجانب.

قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.