أثار تقارب عسكري متزايد بين دولة الإمارات العربية المتحدة والصين انتقادات أمريكية لاسيما في ظل موقف أبوظبي المساند لروسيا في حربها على أوكرانيا.
وأورد موقع (semafor) الإخباري الأمريكي إن الولايات المتحدة الأمريكية غاضبة من قرار الإمارات إجراء تدريبات جوية مشتركة مع الصين.
ونقل الموقع عن محللين في الشرق الأوسط أن المشاركة المحتملة من قبل الإمارات للبيانات العسكرية أو المعلومات الاستخباراتية الأمريكية هي أحد المخاوف الأمريكية بشأن العلاقات العسكرية الدافئة بين أبو ظبي وبكين.
كما تجادلت إدارة بايدن مع الإمارات حول روسيا، حيث لم تنضم الإمارات إلى حملة العقوبات الغربية ضد الكرملين.
وأعلنت بكين عن المناورات مع الإمارات، المسماة “درع الصقر 2023″، يوم الإثنين الماضي، وقالت إنها تهدف إلى تعميق “التبادلات البراغماتية والتعاون بين الجيشين وتعزيز التفاهم والثقة المتبادلين”.
وحسب الموقع، تعد أبوظبي تاريخيا واحدة من أقرب حلفاء الولايات المتحدة الدفاعيين في المنطقة وتستخدم عددا من الأسلحة الأمريكية، بما في ذلك نظام ثاد المضاد للصواريخ وطائرات الهليكوبتر الهجومية.
وترى الولايات المتحدة أن بكين تسعى إلى لعب دور دبلوماسي وعسكري أكبر بكثير في الشرق الأوسط، وهو تهديد محتمل للمصالح الأمريكية.
وقبل شهرين أعلنت دولة الإمارات في 31 مايو/أيار، أنها انسحبت قبل شهرين من “القوة البحرية الموحدة” (CTF 154)، والتي تعمل بقيادة أمريكية كفرقة عمل خاصة تستخدم مسيرات الاستطلاع الشراعية غير المأهولة لتوسيع قدرات الاستجابة للتهديدات، وتعزيز الأمن البحري في الشرق الأوسط.
وأبرزت منصة أسباب أنه في نفس اليوم؛ أجرى وزير الدولة الإماراتي خليفة شاهين المرر، زيارة رسمية إلى طهران، التقى خلالها بوزير الخارجية أمير عبداللهيان.
وجاء إعلان الانسحاب بعد يوم واحد من كشف مسؤولين أمريكيين وخليجيين لصحيفة “وول ستريت جورنال” أن أبوظبي تشعر بالغضب وتضغط على واشنطن لاتخاذ خطوات أكثر قوة لردع إيران بعد استيلائها على ناقلة نفط بعد أن غادرت ميناء دبي بما يوحي بأن المياه الإماراتية غير آمنة.
وفي 3 مايو/أيار، استقبل مستشار الأمن القومي الأمريكي، جيك سوليفان، في واشنطن، نظيره الإماراتي، الشيخ طحنون بن زايد، حيث أكد على التزام بلاده بردع التهديدات ضد الإمارات.
وفي مساء نفس اليوم، أعلن قائد بحرية الجيش الإيراني، الأدميرال شهرام إيراني، أن تحالفاً بحرياً إقليمياً سيتشكل قريباً، سيضمّ إيران، والسعودية، والإمارات، وقطر، والبحرين، والعراق، وباكستان، والهند، “لتحقيق الأمن بشكل مشترك”، مضيفا أن المنطقة قريبا “ستخلو من أي قوة غير مبرر وجودها”.
احتجزت قوات الحرس الثوري الإيراني البحرية في نهاية أبريل/نيسان، بالقرب من مضيق هرمز، ناقلة تحمل شحنة من النفط الخام الكويتي وتعمل لصالح شركة “شيفرون” الأمريكية في طريقها إلى الولايات المتحدة.
وبعد أيام قليلة، احتجزت إيران ناقلة نفط أخرى بين مينائي دبي والفجيرة الإمارتيين. وجاءت التحركات الإيرانية رداً على استيلاء واشنطن، أواخر أبريل/نيسان، على ناقلة النفط “السويس راجان”، التي كانت تحمل النفط الخام الإيراني، وإعادة توجيهها من الصين إلى الولايات المتحدة.
وتمثل هذه سياسة ثابتة لإيران؛ ففي العامين الماضيين، هاجمت إيران أو صادرت 15 سفينة تجارية ترفع أعلاما دولية، وفي عام 2019 استولت على ناقلتين بريطانيتين رداً على استيلاء البحرية البريطانية على ناقلة نفط إيرانية قبالة سواحل جبل طارق.
وتسعى إيران بذلك إلى إرساء معادلة ردع تُظهر خلالها قدرتها على الرد بالمثل، وتهديد المصالح الأمريكية والغربية في مضيق هرمز، الذي يمر منه حوالي 20% من الطلب العالمي اليومي للنفط، مما يجعل له أهمية جيوستراتيجية دولية.
في نفس الوقت؛ تتسارع وتيرة تطبيع العلاقات الإماراتية الإيرانية في سياق تهدئة العلاقات بين دول الخليج العربي وإيران، خاصة بعد اتفاق السعودية وإيران العلاقات بوساطة الصين.
بدأت الإمارات في منتصف 2021 خطوات جدية لتطبيع العلاقات مع إيران ضمن إطار أوسع لنهج تصفير المشاكل مدفوعا برغبة الإمارات في توفير مناخ مناسب لطموحاتها الاقتصادية، وتجلى مسار تفاهمات الإمارات مع إيران في إعادة التموضع في اليمن وتوطيد العلاقات التجارية، وتأكيد أبو ظبي على أنها لن تكون جزءً من تحالفات إقليمية تستهدف أي دولة بعينها.
ويعكس انسحاب الإمارات من “القوة البحرية الموحدة” تواصل الخلافات مع واشنطن، حيث تعتبر الإمارات أن الولايات المتحدة تتراجع عن دورها التقليدي كضامن للأمن الإقليمي، لاسيما بعد الانسحاب المفاجئ من أفغانستان، وردود فعل واشنطن البطيئة وغير الملائمة للهجمات المدعومة من إيران على الأراضي السعودية والإماراتية، وكذلك تعنت واشنطن في صفقة طائرات F-35 والذي دفع أبو ظبي لتعليق المفاوضات حول الصفقة نهاية عام 2021.
على الجانب الآخر؛ ترى واشنطن أن أبوظبي قد ساهمت في جهود موسكو للالتفاف على العقوبات الغربية المرتبطة بالحرب الأوكرانية عبر استقبالها للشركات والمستثمرين الروس، الأمر الذي دفع واشنطن إلى إرسال عدة وفود رفيعة المستوى إلى الإمـارات مطلع العام الجاري لتوجيه تحذيرات لأبوظبي والجهات التجارية المنخرطة في علاقات مع روسيا.
كما أن العلاقات الصينية الإماراتية المزدهرة تسببت هي الأخرى في مزيد من التوتر، خاصة بعد أن كشفت أمريكا عن بناء الصين منشأة عسكرية سرية في ميناء إماراتي، ما أدى إلى ضغوط أمريكية على الإمـارات التي أعلنت وقف العمل بالمنشأة.
وتشير هذه التطورات عموما إلى أن العلاقات الأمريكية الإماراتية (والأمريكية السعودية بالمناسبة) مازالت تخضع لعملية تقييم تستهدف إعادة بناء الثقة والاتفاق على حدود الشراكة وإلزاميتها.
وإذا كان من غير المضمون تماما الجزم بمآل هذه العملية في ظل التحولات الجيوسياسية الدولية والإقليمية، فإن مبررات استعادة الثقة والمضي قدما بقدر أكبر من الشراكة المتفق عليها، مازالت أقوى من احتمالات تدهور العلاقة، خاصة وأن الطرفين بالفعل يتجنبان مثل هذا التدهور.
لذلك؛ من المبالغة النظر لقرار الإمـارات بالانسحاب، والذي فيما يبدو ليس نهائيا بعد، بأنه بداية لإنهاء الشراكة الأمنية مع الولايات المتحدة والتوجه لتنسيق أمني مع إيران، كما حاول أن يوحي قائد بحرية الجيش الإيراني، وحتى لو كان هذا الإعلان حقيقيا.
على العكس من ذلك؛ فإن الغضب الإمـاراتي يعبر عن تقييم سلبي لجدوى المبادرات الأمنية المجمعة التي تروج لها واشنطن في التصدي للتهديدات الإيرانية، والتي تتسم بطابع فضفاض ولا يرتب التزامات أمنية واضحة وكافية من وجهة نظر أبوظبي، التي مازالت تتمسك بالتوصل لاتفاقية أمنية ثنائية مع واشنطن.
أي أنه رغم تطبيع العلاقات، فإن “التهديد الإيراني” يظل حاضرا في تقييم الإمـارات للتوازنات الجيوسياسية في الإقليم، وبالتالي ستظل استراتيجية الإمارات تمزج بين نهج تجنب العداء المباشر مع طهران، وفي نفس الوقت السعي لإحداث توازن مضاد من خلال تطوير شراكات أمنية ثنائية مع القوى الدولية، خاصة الولايات المتحدة، والقوى الإقليمية الأخرى، خاصة تركيا و”إسرائيل”.
الرابط المختصر https://gulfnews24.net/?p=64459