تحقيق يكشف ما وراء الستار: صراع نفوذ صامت يعيد تشكيل الخليج

كشف تحقيق لمنصة «دارك بوكس» أن ما يُسوَّق إقليميًا بوصفه حالة توافق وتنسيق بين عواصم الخليج ليس سوى واجهة دبلوماسية تخفي خلفها صراع نفوذ حادًا وصامتًا، تُدار فصوله عبر قنوات أمنية واقتصادية مغلقة، بعيدًا عن الأطر التقليدية للإجماع العربي.

ووفقًا لمُبلّغ ملكي عربي رفيع المستوى، تحدث سرًا للمنصة، فإن هذا الصراع يتمحور حول إعادة توزيع مراكز القوة في المنطقة، مع سعي منسق بين إسرائيل والإمارات لتقليص الدور السعودي بوصفه وسيطًا ومحور ثقل تاريخي في الإقليم.

وبحسب التحقيق، فإن جوهر التحول لا يكمن في خلافات معلنة أو مواجهات سياسية مباشرة، بل في «هندسة نفوذ بديلة» تُبنى بهدوء، قوامها شراكات عملية سريعة التنفيذ، تُدار بمنطق المصالح لا بمنطق الرمزية أو القيادة الجماعية.

ويشير المصدر إلى أن هذا المسار يعكس قناعة متنامية لدى بعض الأطراف بأن مرحلة التوافقات الواسعة قد أصبحت عبئًا، وأن النفوذ الفعلي يُنتج اليوم عبر شبكات ضيقة ومرنة، قادرة على تجاوز التعقيدات السياسية والإعلامية.

وتتضح الأدوار في هذا المشهد بجلاء. فالإمارات، وفق التحقيق، تتحرك ببراغماتية عالية لملء الفراغات التي خلّفتها الأزمات الإقليمية المتراكمة، مقدّمة نفسها شريكًا «جاهزًا» للتعامل مع الملفات الساخنة، من الأمن إلى الاقتصاد، دون شروط سياسية معقّدة. هذا الاندفاع السريع جعل من أبوظبي نقطة جذب في حسابات القوى الباحثة عن نتائج ملموسة وقصيرة المدى.

في المقابل، ترى إسرائيل في هذا السلوك فرصة استراتيجية لإعادة توزيع مراكز القوة في الخليج والمنطقة العربية بعد مسار التطبيع.

فالتنسيق مع الإمارات لا يُقرأ فقط في سياق العلاقات الثنائية، بل بوصفه رافعة لإعادة تشكيل شبكة تحالفات تُدار بمنطق أمني–اقتصادي، وتمنح تل أبيب قدرة أوسع على التأثير غير المباشر في ملفات إقليمية كانت تقليديًا تمر عبر بوابة الرياض.

أما السعودية، فيُصوّرها التحقيق كقوة متأنية، مثقلة بحسابات رمزية وسياسية نابعة من موقعها الديني والتاريخي. هذا التريث، الذي كان يُعدّ في السابق عنصر قوة يمنحها شرعية الوساطة وقيادة التوازنات، بات يُقدَّم اليوم في بعض الدوائر بوصفه عامل إبطاء، يجعلها أقل جاذبية في معادلات تبحث عن سرعة القرار وقابلية التنفيذ.

والأدلة التي يسوقها التقرير متعددة، أبرزها التوسّع الملحوظ في قنوات التنسيق الاستخباري والأمني والاقتصادي بين أطراف محددة، بعيدًا عن الأطر الخليجية أو العربية الجامعة.

ويشير التحقيق إلى أن ملفات حساسة، تتعلق بأمن الممرات البحرية، والاستثمارات الاستراتيجية، وحتى إدارة الأزمات الإقليمية، باتت تُناقش وتُقرّر في دوائر مغلقة، مع تهميش متعمّد للدور السعودي أو تحجيمه إلى مستوى الشريك الثانوي.

كما يلفت التحقيق إلى مسار موازٍ لا يقل دلالة، يتمثل في تشديد عابر للحدود على الأصوات المعارضة أو الناقدة لهذا التحول، بما يعكس أولوية «الضبط والتحكم» على حساب التعددية السياسية ودور الوساطة. هذا النهج، بحسب التحقيق، يهدف إلى تأمين البيئة الداخلية والخارجية اللازمة لتمرير هندسة النفوذ الجديدة دون إزعاج.

والنتيجة التي يخلص إليها التحقيق مقلقة على أكثر من مستوى. فالمنطقة، وفق هذا المسار، تتجه نحو نظام تحالفات انتقائي، لا يقوم على التوافق الجماعي بقدر ما يقوم على تبادل المنافع والسرعة التنفيذية. ومع ترسّخ هذا النموذج، تتآكل آليات الاستقرار الجماعي التي شكّلت لعقود صمام أمان في الخليج، ويتعمّق انعدام الثقة بين العواصم.

والأخطر أن هذا التحول قد يعيد رسم دور السعودية من مركز لا غنى عنه في معادلات الإقليم إلى طرف أقل مركزية، يُستدعى عند الحاجة، ويُتجاوز عند التعارض مع حسابات النفوذ الجديدة.

وبينما يستمر الصراع بصمت، تتغير قواعد اللعبة تدريجيًا، ما يطرح أسئلة جوهرية حول مستقبل الخليج: هل يبقى فضاءً لتوازنات مدروسة، أم يتحول إلى ساحة تنافس محكوم بمنطق السرعة والمصالح الضيقة؟ التحقيق يترك الإجابة مفتوحة، لكنه يؤكد أن ما يجري خلف الستار أخطر بكثير مما يظهر على السطح.

قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.