تحت شمس الخليج الحارقة: العمّال المهاجرون يدفعون ثمن الفخامة والمشاريع العملاقة

تُسوّق دول الخليج نفسها عالميًا كوجهات حديثة تجمع بين الفخامة والطقس المشمس والمشاريع العملاقة، في وقت تؤكد منظمات حقوقية أن العمّال المهاجرون يدفعون ثمن هذه الفخامة.

إذ أن هذا النموذج الاقتصادي في الخليج يعتمد بصورة أساسية على العمل البشري المكثّف، حيث يعمل ملايين العمّال، معظمهم من المهاجرين، في ظروف مناخية قاسية تمتد معظم أشهر السنة، مقابل أجور منخفضة وحماية محدودة.

وتشير بيانات وتقارير حقوقية حديثة إلى أن جزءًا كبيرًا من القوة العاملة في الخليج يتكوّن من عمّال مهاجرين يخضعون لنظام الكفالة أو لممارسات توظيف مقيّدة، تحدّ من قدرتهم على تغيير العمل أو مغادرة البلاد، وتضعهم في موقع ضعيف أمام أصحاب العمل.

وهذا الواقع يجعلهم أكثر عرضة للاستغلال، خصوصًا في قطاعات البناء والبنية التحتية التي تشكّل أساس الطفرة العمرانية في المنطقة.

ووثق تقرير صادر عن منظمة “هيومن رايتس ووتش” في نوفمبر الماضي أن العمّال المهاجرين في السعودية وقطر والإمارات يعملون لساعات طويلة في ظروف قاسية تؤدي إلى مخاطر صحية كبيرة.

وأشار التقرير إلى حالات إغماء وتقيؤ وأعراض إجهاد حراري بين عمّال كانوا يعملون في درجات حرارة تتجاوز 35 درجة مئوية مع رطوبة مرتفعة، وهي ظروف تُعد خطرة طبيًا، خصوصًا عند استمرار التعرض لها لفترات طويلة.

وتقدّم وثيقة حديثة لمنظمة العفو الدولية مثالًا واضحًا على هذه الانتهاكات من خلال مشروع مترو الرياض. فقد أجرت المنظمة مقابلات مع 38 عاملًا من بنغلادش والهند ونيبال عملوا لدى شركات محلية وأجنبية في المشروع بين عامي 2014 و2025.

وأظهرت الشهادات أن الاستغلال يبدأ قبل وصول العمّال إلى السعودية، حيث فُرضت عليهم رسوم توظيف تراوحت بين 700 و3500 دولار أمريكي، ما أجبر كثيرين منهم على الاستدانة وربطهم بالعمل قسرًا لتسديد الديون.

وبعد وصولهم، كان العمّال يتقاضون أقل من دولارين في الساعة، بينما يعملون أكثر من 60 ساعة أسبوعيًا. وأفاد عدد منهم بأن ساعات العمل الطويلة، إلى جانب درجات الحرارة المرتفعة التي تتجاوز 40 درجة مئوية خلال الصيف، تسببت في تدهور صحتهم الجسدية. ووصف بعضهم العمل في مواقع مكشوفة خلال النهار بأنه يشبه “العمل في الجحيم”، في ظل نقص وسائل الوقاية الفعالة.

في المقابل، تواصل حكومات دول مجلس التعاون الخليجي الاكتفاء بإجراءات محدودة لحماية العمّال من الحرّ، أبرزها ما يُعرف بـ”حظر العمل وقت الظهيرة”، الذي يفرض توقف العمل بين الساعة 12 ظهرًا و3 عصرًا خلال أشهر الصيف.

إلا أن تقارير حقوقية تؤكد أن هذا الإجراء غير كافٍ، إذ يظل العمّال عرضة للإجهاد الحراري قبل وبعد هذه الفترة، كما لا يحصلون على فترات راحة كافية أو وقت مناسب للتعافي.

ويتزامن هذا الواقع مع تصاعد آثار تغيّر المناخ وارتفاع درجات الحرارة عالميًا. ففي مؤتمر COP30 الأخير في البرازيل، جرى التوصل إلى اتفاق وُصف بالضعيف، بعدما تمّ تجاهل مسألة خفض انبعاثات الوقود الأحفوري إلى حدّ كبير.

وجاء ذلك في ظل تهديد السعودية بإفشال المفاوضات إذا استُهدِفت قطاعاتها الطاقوية، رغم أن الوقود الأحفوري يُعد العامل الرئيسي في تفاقم موجات الحرّ التي تضرب المنطقة.

وينعكس هذا التجاهل للبعد المناخي مباشرة على أوضاع العمّال، خصوصًا مع إطلاق مشاريع إقليمية جديدة مثل مشروع “سكة حديد الخليج”، الذي يمتد عبر الصحراء لربط ست دول. ومع غياب إصلاحات جذرية في أنظمة العمل والحماية الصحية، يُتوقع أن تتكرر أنماط الاستغلال نفسها.

وتُظهر هذه المعطيات فجوة واضحة بين الخطاب الرسمي عن التنمية والحداثة، والواقع الميداني الذي يعيشه العمّال المهاجرون. ففي الوقت الذي تُقدَّم فيه المشاريع الخليجية كنماذج للنجاح الاقتصادي، تستمر الكلفة البشرية في الارتفاع، وسط غياب مساءلة حقيقية، واستمرار الاعتماد على قوة عمل تعمل تحت الشمس الحارقة دون ضمانات كافية.

قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.