أفاد مركز أبحاث أميركي أن خطوة السعودية نحو إعادة معايرة مشاريعها العملاقة — سواء عبر تأجيل بعضها أو تقليص حجمها — قد تحمل في طياتها انعكاسات إيجابية على ثقة المستثمرين في الاقتصاد السعودي، رغم ما قد يبدو على السطح من تحديات اقتصادية مرتبطة بانخفاض أسعار النفط.
وقال تيم كالين، الزميل الزائر في معهد دول الخليج العربية بواشنطن والرئيس السابق لبعثة صندوق النقد الدولي إلى المملكة، في مقابلة مع تلفزيون بلومبيرغ، إن المستثمرين ينظرون عادة إلى الوضوح المالي والتخطيط الواقعي على أنهما عنصران رئيسيان لزيادة جاذبية أي سوق ناشئة. وأضاف: “سيرحب المستثمرون فعليًا إذا خرجت الحكومة بخطط لتقليص بعض هذه المشاريع وكانت شفافة منذ ذلك الحين بشأن حجمها وتكلفتها. عندها سيتمكن المستثمرون من تقييم أفضل لمعدل العوائد المتوقعة”.
ضغط أسعار النفط
تأتي هذه التطورات في وقت هبطت فيه أسعار النفط إلى مستويات أدنى بكثير مما تحتاجه السعودية لتحقيق التوازن في ميزانيتها وحسابها الجاري. ويؤدي هذا الانخفاض إلى تقييد قدرة الحكومة على تمويل مشاريعها العملاقة، التي تمثل أحد الأعمدة الرئيسية لـ رؤية 2030 التي يقودها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان لتنويع الاقتصاد بعيدًا عن الاعتماد على النفط.
ويرى كالين أن تقليص المشاريع ليس بالضرورة مؤشراً سلبياً، بل قد يشكل خطوة أكثر عقلانية في ظل بيئة اقتصادية عالمية تتسم بالتقلب وعدم اليقين.
ومن بين المشاريع التي تواجه صعوبات تقنية ومالية، يبرز مشروع تروجينا، المنتجع الشتوي المقرر إقامته وسط صحراء نيوم بتكلفة مليارات الدولارات. المشروع كان من المفترض أن يستضيف الألعاب الآسيوية الشتوية لعام 2029، لكن تقارير بلومبيرغ الأخيرة كشفت أن السعودية والمجلس الأولمبي الآسيوي شرعا بالفعل في التواصل مع دول أخرى لبحث إمكانية نقل البطولة، بسبب التحديات الهندسية والتكلفة الباهظة.
وقال كالين إن “بعض هذه المشاريع، رغم طموحها، أثبتت أنها صعبة التنفيذ من الناحية التقنية والمالية، ما يعزز الحاجة لإعادة تقييمها بما يتناسب مع الإمكانات الواقعية للسعودية”.
دعوات قديمة لترشيد الإنفاق
لطالما دعا المستثمرون الدوليون إلى ترشيد هذه المشاريع الضخمة التي رُسمت ضمن خطة رؤية 2030. وكان هناك تشكيك متكرر حول مدى واقعية حجم وطموح هذه المشروعات، إذ يرى العديد من المحللين أن المملكة لا تحتاج بالضرورة إلى تنفيذها جميعًا بالضخامة التي تم الإعلان عنها كي تحقق أهداف التنويع الاقتصادي.
وأضاف كالين: “لقد كان هناك شك منذ فترة بشأن ما إذا كان حجم وطموح العديد من المشاريع العملاقة السعودية واقعيًا. لكن تقليصها أو إعادة ترتيب أولوياتها لا يعني التخلي عن رؤية 2030، بل قد يجعلها أكثر قابلية للتحقيق”.
وبحسب توقعات صندوق النقد الدولي، من المرجح أن يتسع عجز ميزانية السعودية ليصل إلى نحو 4% من الناتج المحلي الإجمالي هذا العام، نتيجة جزئية لارتفاع النفقات المرتبطة بالمشاريع العملاقة. ومع ذلك، أشار الصندوق إلى أن المملكة أجرت بالفعل تخفيضات في الإنفاق خلال الفترة الماضية، وأنها لن تحتاج على الأرجح لمزيد من التخفيضات حتى في حال تراجع أسعار النفط أكثر.
ويعني ذلك أن الترشيد في حجم المشاريع، بدلًا من تقليص الإنفاق العام الواسع، قد يكون الوسيلة الأنجع لتحقيق التوازن المالي والحفاظ على ثقة المستثمرين.
السمعة العالمية ورؤية 2030
رغم ما قد يشكله نقل الألعاب الشتوية من تراجع رمزي لطموحات السعودية على الساحة العالمية، يرى كالين أن الأثر لن يكون واسع النطاق على مكانة المملكة أو على فعاليات كبرى أخرى قادمة.
وقال: “من الواضح أن الأمر ليس جيدًا بالنسبة للسمعة العالمية إذا انتهى المطاف بنقل الألعاب الشتوية. لكنه على الأرجح لن يكون له تأثير واسع على رؤية 2030 أو على فعاليات أخرى مثل كأس العالم لكرة القدم للرجال 2034 أو معرض إكسبو 2030”.
وبذلك، تظل الأحداث الدولية الكبرى التي فازت السعودية بحق استضافتها قائمة ضمن خططها الاستراتيجية، ما يعزز صورتها كوجهة عالمية للاستثمار والرياضة والسياحة.
ومن منظور المستثمرين، فإن أي خطوة نحو الشفافية في تحديد التكلفة وحجم المشاريع ستزيد من قدرتهم على تقييم العوائد ومخاطر الاستثمار. كما أن تقليص حجم بعض المشاريع قد يُفسح المجال لتوجيه الموارد نحو قطاعات إنتاجية أخرى، مثل التكنولوجيا، الطاقة المتجددة، والخدمات اللوجستية، وهي مجالات تركز عليها رؤية 2030 أيضًا.
ويرى محللون أن هذا التوجه قد يعزز جاذبية السعودية كوجهة استثمارية، خصوصًا في وقت يسعى فيه المستثمرون إلى أسواق تقدم خططًا واضحة ومقنعة حول إدارة الموارد المالية في ظل تقلب أسعار الطاقة.
الرابط المختصر https://gulfnews24.net/?p=72506