تقرير دولي يخالف الصورة الذهنية للأوضاع المالية الخليجية
خالف تقرير دولي صدر مؤخرا عن منظمة الأسكوا، الصورة الذهنية للأوضاع المالية الخليجية بتناوله أوضاع فقر الدخل في الخليج خلال الفترة من 2010 – 2021، وتأكيده على وجود 3.3 مليون فقير بدول الخليج.
وفي العادة لا تتعرض تقارير التنمية البشرية للأمم المتحدة أو تقارير البنك الدولي الدورية لأحوال الفقر والفقراء في منطقة الخليج، كما وتساهم الصورة الذهنية للأوضاع المالية الخليجية في تصويرها كدول خالية من الفقراء.
وبحسب مركز “البيت الخليجي للدراسات والنشر” فإنه لطالما كان الحديث عن الفقر يقتصر على تقديرات باحثين أو بعض وسائل الإعلام الغربية التي ترصد مظاهر الفقر بين بعض الفئات المجتمعية أو عبر اللجوء إلى بيانات المساعدات التي تحصل عليها الأسر من وزارات الموارد والتنمية الاجتماعية، أو من خلال قراءة بيانات المتقدمين لصناديق المعونات.
في السعودية، كانت بعض التقديرات فيما يخص الفقر بين المواطنين السعوديين قريبة، إلى حد ما، مع ما أعلنت عنه الأسكوا عن نسبة الفقر التي كانت موجودة في السعودية عند نسبة 18.2% فيما كانت تذهب بعض تقديرات الباحثين في عام 2016 إلى أن الفقر بين المواطنين السعوديين يقترب من نسبة 20%.
ولكن الأسكوا خرجت من هذه الإشكالية بوضع مؤشرات خاصة لقياس فقر الدخل في دول الخليج.
واعتمدت الأسكوا في منهجيتها لقياس فقر الدخل بدول الخليج على ما تنشره مراكز الإحصاء بدول الخليج عن معدلات دخل الأسرة ومعدلات الاستهلاك.
وكانت النتائج التي توصل لها تقرير الأسكوا بشأن خط الفقر للأسر الخليجية في الشهر يتراوح ما بين 980 دولارًا في سلطنة عمان و3830 دولارًا في قطر.
أما السعودية فكان خط الفقر لإنفاق الأسرة في الشهر عند 1438 دولار، في الكويت عند 2980 دولار، وفي الإمارات عند 1339 دولار وأخيراً في البحرين 1298 دولار.
تعد السعودية، بحكم عدد سكانها الأكبر بين دول الخليج، صاحبة أعلى نسبة للفقر بينهم، ويقدر تقرير الأسكوا نسبة الفقراء في السعودية بنحو 13.6% بين السكان.
وأتت سلطنة عمان في المرتبة الثانية من حيث ارتفاع معدل الفقر بنسبة 10.1% من السكان، وفي المرتبة الثالثة تأتي البحرين بنسبة فقر بلغت 7.5%.
أما قطر فقد بلغت نسبة الفقر بين سكانها، وفقًا لتقرير الأسكوا 0.4%، وفي الكويت والإمارات كانت نسبة الفقر بينهما أقل من 2%.
ومن النتائج المهمة التي تضمنها التقرير، أن عدد الفقراء بدول الخليج خلال الفترة 2010 – 2021 انخفض بنحو 450 ألف مواطن.
وكان انخفاض نسبة الفقر بالسعودية أهم عوامل انخفاض عدد الفقراء في دول الخليج بنحو 450 ألف مواطن، حيث انخفضت في عام 2021 إلى 13.6% بعد أن كانت 18.2% في عام 2010.
ووفق احصاءات عام 2021، فإن السعودية تستحوذ على العدد الأكبر من المواطنين الفقراء بمنطقة الخليج فلديها حسب أرقام الأسكوا، 2.94 مليون فقير، وفي سلطنة عمان 283 ألف فقير، وفي البحرين 54 ألف فقير، وفي الإمارات 23 ألف فقير، وفي الكويت 20 ألف فقير، وفي قطر 3 ألاف فقير.
وفترة الدراسة التي قامت فيها المنظمة بقياس الفقر بدول الخليج 2010 – 2021 تضمنت فترات متقلبة نظرًا لاعتماد الدول على الإيرادات النفطية، ثمة أحداث لابد أن تؤخذ في الاعتبار للتعرف على الأوضاع المالية لدول الخليج، ففي منتصف عام 2014 شهدت أسواق النفط بداية انهيار استمرت حتى منتصف 2021.
وعليه، خلال ثلثي فترة الدراسة عانت دول الخليج، من تراجع إيراداتها العامة ما أجبرها إلى الاقتراض المحلي والخارجي والدخول في برامج إصلاح اقتصادي بعد مشاورات فنية مع المؤسسات الدولية. وقتئذ، شهدت الدول الخليجية توسع في تطبيق نظام الضرائب، مثل ضريبة القيمة المضافة والضرائب الانتقائية.
واكب فترة قياس الفقر بدول الخليج أيضاً الدخول في حرب اليمن التي لم تنته بعد، حيث استنزفت موارد مالية كبيرة لكل من السعودية والإمارات.
اندلعت الحرب في مارس 2015، ولا تزال مستمرة وإن هدأت وتيرتها إلى حد ما خلال الشهور القليلة الماضية. كذلك شهدت الفترة دخول الاقتصاد العالمي في معايشة صعبة للتداعيات السلبية لأزمة جائحة كورونا مع تراجع الطلب على النفط وأسعاره، وما لذلك من آثار سلبية على اقتصاديات دول الخليج.
تبدو معدلات الفقر في دول الخليج عام 2021 أفضل مما كانت عليه في عام 2010، وهو ما يضعنا أمام علامات استفهام حول نتائج التقرير.
وقد شهدت دول الخليج طفرة نفطية من عام 2003 وحتى منتصف عام 2014، وبالتالي قدرتها في مكافحة الفقر كانت أفضل مما هي عليه في الفترة من منتصف عام 2014 وحتى نهاية عام 2021.
على صعيد بعض الاعتبارات الاجتماعية، كانت السياسات الاقتصادية في عام 2010 تقدم دعمًا سخيًا في كافة المجالات التي تقدم فيها الحكومات الخليجية السلع والخدمات للمواطنين.
لم تكن الضرائب مفروضة خلال عام 2010، كانت التعريفات الجمركية في أدنى معدلاتها أو معدومة بالنسبة للعديد من السلع والخدمات.
ويمثل تقرير الأسكوا انعطافة إيجابية لفتح ملف الفقر في دول الخليج، يمكن البناء على هذا التقرير والتطلع إليه في الوصول إلى مقياس أكثر دقة للفقر، وهو ما يعرف بالفقر متعدد الأبعاد.
مؤشر الفقر متعدد الأبعاد هو مؤشر مركب، يضم فقر (الدخل، والتعليم، والصحة، والبنية الأساسية، والأمن) وبلا شك أن الوصول للبيانات الخاصة بهذا المؤشر ورصدها يعطي حالة أفضل للتعرف على الفقر في منطقة الخليج.
في إطار طرح مجموعة من السياسات لمكافحة الفقر في دول الخليج، قدم التقرير حزمة من الحلول التقليدية لتقليص الفجوة بين الفقراء والأغنياء، مثل نظام ضريبي عادل ومنصف وإصلاح الدعم وزيادة كفاءة الإنفاق العام وتنوع النمو والمساعدة في الحصول على الوظائف.
إن بنية النظم الحاكمة في دول الخليج، تجعل من مسألة عدالة توزيع الثروة أمرًا صعبًا، فالأسر الحاكمة غالباً ما يكون لها ميزانيات خاصة، فضلًا عن غياب الرقابة البرلمانية على المقدرات المالية للدول بشكل يمكن أن يقربنا لقواعد الحوكمة والحكم الرشيد.
تحتاج زيادة كفاءة الإنفاق العام إلى تحديد أكثر فيما يتعلق بأرصدة الصناديق السيادية، كيفية إداراتها، وكذلك ما يتعلق بالتوظيف السياسي للمال العام.
الرابط المختصر https://gulfnews24.net/?p=62925