الصناعة العسكرية السعودية: طموحات كبيرة أمام تحديات معقدة

أصبحت الصناعة العسكرية في ظل التحولات السياسية والاقتصادية الكبرى التي تشهدها المملكة العربية السعودية، أحد الركائز الأساسية التي تسعى المملكة لتعزيزها لتحقيق الاستقلالية الدفاعية وتقليل الاعتماد على الواردات العسكرية.
وفي إطار رؤية 2030، تطمح السعودية إلى تطوير صناعاتها العسكرية محليًا، مما سيساهم في تنويع الاقتصاد الوطني وتعزيز مكانتها الإقليمية والدولية.
ورغم التقدم الذي أحرزته المملكة في هذا المجال، لا يزال الطريق طويلًا لتحقيق الطموحات الكبرى، حيث تظل التحديات كبيرة في مجالات توطين التكنولوجيا العسكرية، وإنتاج الأنظمة الدفاعية المتطورة، والارتقاء بالشركات المحلية لتواكب الشركات العالمية في هذا القطاع الحيوي.
وتلعب الصناعة العسكرية في السعودية دورًا محوريًا في تعزيز الاقتصاد الوطني، حيث يسهم التصنيع المحلي للأسلحة والمعدات الدفاعية في زيادة القيمة المضافة وتحقيق النمو الاقتصادي المستدام.
كما أن هذا التوجه يساعد في تنويع مصادر الناتج المحلي الإجمالي، وهو أحد أبرز أهداف السياسات الاقتصادية في دول الخليج. وفي هذا السياق، شهدت المملكة تطورًا في حجم الإنتاج العسكري، حيث ارتفعت قيمة الصناعات التحويلية في السعودية من 72 مليار دولار في 2012 إلى 160 مليار دولار في 2022، مما يشير إلى دورها المتزايد في الاقتصاد الوطني.
وفي الوقت ذاته، تعزز هذه الصناعات من قدرة المملكة على مواجهة التحديات السياسية، خاصة في ظل التوترات الإقليمية، والتي تتطلب قدرة عسكرية قوية ومستقلة.
فعلى الرغم من التقدم الذي حققته السعودية، تظل الحاجة الملحة لتوطين صناعة الأسلحة والأنظمة الدفاعية المحلية بهدف تقليل الاعتماد على الواردات الخارجية.
وتعتبر التحديات السياسية والأمنية في المنطقة أحد العوامل المحورية التي تدفع السعودية نحو توطين الصناعات العسكرية. في مواجهة القوة العسكرية المتزايدة لإيران، والتي تشكل تهديدًا مباشرًا للأمن الإقليمي، تسعى المملكة إلى تعزيز قدراتها الدفاعية بشكل مستقل. بالإضافة إلى ذلك، هناك تحدي العقوبات الدولية، كما حدث في عام 2018، الذي يهدد بتقليص القدرة الدفاعية للسعودية، مما يجعل التصنيع المحلي للأسلحة أكثر إلحاحًا من أي وقت مضى.
ووفقًا لتصنيفات كلوبال فايرباور، يحتل الجيش السعودي المرتبة 23 عالميًا من حيث القوة العسكرية، وهو ثاني أقوى جيش في العالم العربي بعد الجيش المصري. المملكة تمتلك قوة بحرية وجوية وبرية معتبرة، مع 57 سفينة حربية و914 طائرة حربية، مما يعكس قدراتها العسكرية المتطورة. ومع ذلك، تسعى السعودية إلى تعزيز مكانتها العسكرية من خلال شراكات استراتيجية مع شركات صناعية عالمية، مثل لوكهيد مارتن الأمريكية وفيجياك أيرو الفرنسية وبايكار التركية، بهدف نقل التكنولوجيا المتقدمة وتعزيز قدرة المملكة على تصنيع الأسلحة محليًا.
وتتولى ثلاث هيئات حكومية مسؤولية تطوير وتنظيم الصناعات العسكرية في المملكة:
1.الهيئة العامة للصناعات العسكرية: تأسست في 2017، وهي المسؤولة عن وضع السياسات الصناعية العسكرية وتنظيم الشراكات المحلية والدولية.
2.المؤسسة العامة للصناعات العسكرية: تأسست في 1985 وتختص بتلبية احتياجات القوات المسلحة من الأسلحة والمعدات الثقيلة.
3.الشركة السعودية للصناعات العسكرية (سامي): تأسست في 2017 بهدف تحقيق الاكتفاء الذاتي في خمسة مجالات رئيسية تشمل الأنظمة الجوية، الأرضية، الدفاعية، البحرية، والإلكترونية.
وتسعى سامي إلى أن تصبح ضمن أكبر 25 شركة صناعية عسكرية في العالم بحلول عام 2030. وقد أظهرت الشركة تقدمًا ملحوظًا في التصنيف العالمي، حيث زادت مبيعاتها بشكل كبير من 605 مليون دولار في 2021 إلى 1137 مليون دولار في 2023، مما مكنها من الصعود في التصنيف من المرتبة 98 إلى المرتبة 75. لكن التحدي الأكبر يكمن في تحقيق الابتكار المحلي وتطوير التكنولوجيا المتقدمة التي تتيح للمملكة تلبية احتياجاتها الدفاعية بشكل مستقل.
وأحد الأهداف الكبرى لرؤية 2030 هو توطين 50% من الإنفاق العسكري بحلول عام 2030. ومع أن نسبة التوطين كانت 2% في 2015 وارتفعت إلى 13.7% في 2022، فإن التوقعات تشير إلى أنه وفقًا للمعدل الحالي، قد يصل التوطين إلى حوالي 28.9% فقط في 2030.
ويعود ذلك إلى عدة تحديات رئيسية، منها حداثة التصنيع العسكري في السعودية، وقصر الاتفاقات مع الشركات الأجنبية المصنعة للأسلحة، بالإضافة إلى صعوبة نقل التكنولوجيا المتطورة بسبب القيود على حقوق الملكية الفكرية.
ورغم التقدم الكبير الذي أحرزته السعودية في تطوير صناعاتها العسكرية، تبقى أمامها تحديات كبيرة لتحقيق أهداف رؤية 2030 المتعلقة بالتوطين والاكتفاء الذاتي في هذا المجال.
وإذا تمكنت المملكة من تجاوز هذه التحديات، فإنها ستتمكن من تأمين مكانتها العسكرية على الصعيدين الإقليمي والدولي، وتصبح قوة صناعية ذات قدرة ذاتية على تصنيع الأسلحة والأنظمة الدفاعية المتقدمة.
قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.