بينما يدفع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لإنهاء الحرب في أوكرانيا وإعادة تشكيل النظام في الشرق الأوسط، هناك زعيم عالمي واحد في قلب هاتين المبادرتين هو ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان.
وبحسب وكالة بلومبيرغ يُعرف الأمير محمد، الحاكم الفعلي للمملكة الغنية بالنفط، بأنه أحد القلائل من الوسطاء العالميين الذين يتمتعون بعلاقة وثيقة مع ترامب والرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
وقالت الوكالة إن معظم القادة العرب يرون في محمد بن سلمان بأنه عنصر أساسي في التعامل مع واشنطن التي أصبحت أكثر تقلبًا، وقد جعل ذلك الرياض المكان الأكثر ترجيحًا لاستضافة قمة ترامب-بوتين بشأن أوكرانيا، كما وضع الأمير محمد في قلب الاستجابة الإقليمية لمقترحات ترامب المثيرة للجدل بشأن غزة التي دمرتها الحرب.
تسلّط علاقات الأمير البالغ من العمر 39 عامًا مع ترامب الضوء على تحوله من شخص منبوذ دوليًا بعد مقتل الصحفي في واشنطن بوست جمال خاشقجي عام 2018 إلى شخصية يُنظر إليها الآن على أنها صانع سلام محتمل.
فكونه المحاور الإقليمي المفضل للرئيس الأمريكي يعزز مكانته محليًا وعالميًا، ويتماشى مع الاعتقاد السعودي الراسخ بأن الاستقرار الإقليمي سيؤدي إلى جذب الاستثمارات الأجنبية ويساعد في تحقيق الخطط الاقتصادية الطموحة للمملكة.
ويعتقد الأمير محمد أن النهج غير التقليدي لترامب قد يكون ما تحتاجه المنطقة لحل النزاعات في الشرق الأوسط وأماكن أخرى، وفقًا لشخصين مطلعين على تفكيره.
وقال جوناثان بانيكوف، مدير مبادرة سكوكروفت لأمن الشرق الأوسط في المجلس الأطلسي: “يمكن أن تكون قمة ترامب-بوتين فرصة للأمير محمد لتعزيز مكانته على الساحة العالمية”، مضيفًا أن “الرياض قد تأمل أيضًا أن يساهم دعمها لهذا الجهد في تسهيل تحقيق أهدافها المتعلقة بغزة”.
وأعلن ترامب، الأربعاء، أنه سيلتقي بوتين في السعودية “على الأرجح” في “المستقبل غير البعيد”، وذلك بعد اتصال مع الرئيس الروسي مهّد الطريق لمحادثات تهدف إلى إنهاء الصراع المستمر منذ ثلاث سنوات.
وكان الرئيس الأمريكي قد تعهد خلال حملته الانتخابية بإنهاء الحرب التي بدأت بغزو موسكو لأوكرانيا عام 2022، بينما بدأ وزير الدفاع بيت هيغسيث بطرح التنازلات التي قد تضطر أوكرانيا إلى تقديمها.
وإذا تم عقد الاجتماع في السعودية، فسيعزز الصورة التي تسعى الرياض إلى ترسيخها كدولة مضيفة للقمة الدولية.
فقد استضافت المملكة مناقشات رفيعة المستوى حول حل الدولتين للصراع الإسرائيلي-الفلسطيني، ومستقبل سوريا، وإنهاء الحرب في السودان، ومن خلال استضافة ترامب وبوتين، ستلعب الرياض دورًا مشابهًا لدور سنغافورة عندما التقى الرئيس الأمريكي بزعيم كوريا الشمالية كيم جونغ أون خلال فترته الرئاسية الأولى.
ويرى المسؤولون السعوديون أن تقديم الأمير محمد بن سلمان كصانع سلام يعزز هدف المملكة في أن تصبح قوة عالمية متوسطة المستوى، صديقة للجميع، وتنتهج سياسة خارجية تخدم مصالحها الاقتصادية بالدرجة الأولى.
وتستثمر المملكة تريليونات الدولارات في خطة لتطوير الاقتصاد غير النفطي تحت مظلة رؤية 2030، وتهدف إلى مضاعفة الاستثمار الأجنبي المباشر أربع مرات ليصل إلى 100 مليار دولار بحلول ذلك العام.
وحرصت السعودية على تجنب إدانة غزو روسيا، العضو في أوبك+، لأوكرانيا، تمامًا كما لم يتخلَّ بوتين عن الأمير محمد بعد مقتل جمال خاشقجي.
وفي ديسمبر 2023، قام بوتين بزيارة نادرة إلى المملكة لإظهار أنه لا يزال مرحبًا به في بعض أجزاء العالم، فيما عزز الأمير محمد من دوره كوسيط باستقباله الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي أيضًا.
وقالت لينا خطيب، الزميلة في برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في تشاتام هاوس: “اختيار ترامب للسعودية كمضيف يهدف إلى تعزيز دور المملكة على الساحة العالمية”، مضيفة أن ذلك “يؤكد نهج الرياض في الشؤون الخارجية، والذي يعتمد على تنويع العلاقات الدبلوماسية للمملكة”.
وإذا بدا استضافة الرئيسين الأمريكي والروسي أمرًا بسيطًا نسبيًا، فإن التعامل مع خطة ترامب بشأن غزة قد يكون أكثر تعقيدًا حيث يحتاج القائد السعودي إلى تحقيق توازن بين علاقته الوثيقة بواشنطن وبين المخاوف العميقة للمملكة حيال المبادرة من منظور عربي وإسلامي.
تتمثل خطة ترامب في أن تتولى الولايات المتحدة مسؤولية غزة – التي دمرتها حرب استمرت 16 شهرًا بين إسرائيل وحماس – واستغلال ساحلها على البحر المتوسط خلال عملية إعادة الإعمار.
ووفقًا لما قاله ترامب، فإن ذلك سيتضمن نقل أكثر من مليوني شخص يعيشون هناك إلى مصر والأردن، وهو ما وصفه منتقدوه بأنه تطهير عرقي.
وجاء الرد السعودي الأولي بتكرار المطالبة بدولة فلسطينية ورفض فكرة تهجير سكان غزة وسط إدانات واسعة مماثلة في الشرق الأوسط.
ويخشى المسؤولون السعوديون والعرب من أن تدفق اللاجئين قد يهدد استقرار كل من مصر والأردن، وبالتالي استقرار المنطقة بأكملها.
ويعتقد المسؤولون السعوديون أن العالم العربي لا يستطيع تحمل فشل مصر أو الأردن، وستتدخل المملكة إلى جانب قوى إقليمية أخرى لتقديم الدعم المالي والمساعدات إذا قرر ترامب حجب المساعدات، وفقًا لأحد المطلعين على الوضع.
ومع ذلك، تأمل السعودية إلى حد ما ألا تصل الأمور إلى هذا الحد، نظرًا للعلاقة القوية بين الأمير محمد والرئيس الأمريكي، بحسب أشخاص مطلعين على الأمر.
وأشار هؤلاء إلى أن الأمير محمد حرص على تعزيز هذه العلاقة خلال ولاية ترامب الأولى وحتى بعد خسارته الانتخابات عام 2020، طالبين عدم الكشف عن هويتهم بسبب حساسية الموضوع.
لكن قدرة الأمير محمد على إيجاد حل وسط ليست مضمونة، وفقًا لمسؤول خليجي، مشيرًا إلى أن الدول الإقليمية قد لا تكون مستعدة لتمويل مصر والأردن نظرًا لأولوياتها المالية الملحّة في الداخل.
وتعمل الحكومة المصرية على وضع خطة بديلة لغزة، سيناقشها الملك عبد الله والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي مع الأمير محمد خلال قمة خماسية في الرياض، وفقًا لمسؤولين عربيين، ومن المقرر عقدها في 20 فبراير، وفقًا لأحدهم.
وللأمير محمد بن سلمان أجندته الخاصة، فمنذ فترة طويلة، سعى الزعيم السعودي إلى اتفاقية للتعاون الدفاعي والتكنولوجي والنووي مع الولايات المتحدة، وهو ما أبدت واشنطن انفتاحها عليه بشرط موافقة الرياض على تطبيع العلاقات مع إسرائيل.
وقالت آنا بورشيفسكايا، الزميلة البارزة في معهد واشنطن بواشنطن العاصمة: “ترامب يرسل رسالة مفادها أنه يؤيد مساعي السعودية للقيادة في المنطقة”، مضيفة أن “نهجه القائم على الصفقات في السياسة الدولية يجعله يعتقد أنه يستطيع جني الفوائد من ذلك”.
الرابط المختصر https://gulfnews24.net/?p=70604