السعودية وأحكام الإعدام بصمت: الأجانب ضحايا نظام قضائي غير عادل

في عام 2024، نفذت المملكة العربية السعودية عددًا قياسيًا من أحكام الإعدام بلغ 345 حالة، في تصعيد غير مسبوق لعقوبة طالما أثارت جدلاً حقوقيًا واسعًا.

وبحسب أوساط حقوقية فإن هذا الرقم يمثّل أكثر من ضعف ما تم تنفيذه عام 2023، بمعدل إعدام شخص واحد كل 25 ساعة، ويؤكد النهج المتشدد الذي تنتهجه السلطات السعودية في استخدام الإعدام، بما يتجاوز حدود الجرائم الأشد خطورة كما يحددها القانون الدولي.

ورغم المطالبات الدولية المتكررة بحصر تطبيق هذه العقوبة في الجرائم الأكثر فظاعة، إلا أن الرياض تواصل تنفيذ أحكام الإعدام في قضايا لا ترقى لهذا التصنيف، كالمخدرات أو التهم السياسية. ويبدو أن هذه السياسة باتت جزءًا من أدوات القمع الرسمية، خاصة عندما يتعلق الأمر بالأجانب.

من بين من تم إعدامهم في 2024، كان هناك 138 شخصًا من غير السعوديين، أي ما يعادل 31% من إجمالي الإعدامات. يمثل هذا ارتفاعًا ملحوظًا عن العام السابق الذي شهد إعدام 100 أجنبي.

وقد شملت الجنسيات المستهدفة مصريين ويمنيين وسوريين وباكستانيين وأردنيين وإثيوبيين ونيجيريين وغيرهم. كثيرون من هؤلاء كانوا من العمال المهاجرين الذين وجدوا أنفسهم في مواجهة محاكمات جائرة دون محامين، أو مترجمين، أو حتى إشعار حكوماتهم بما يواجهونه.

ويُثير هذا التوجه قلقًا كبيرًا، لا سيما أن أغلب هؤلاء أعدموا على خلفية جرائم مخدرات. ووفقًا للمفوضية السامية لحقوق الإنسان، فإن ثلاثة أرباع من أُعدموا في قضايا مخدرات في 2024 كانوا من الأجانب. وتأتي هذه الإعدامات بعد أن أنهت السلطات السعودية تعليقًا غير رسمي لتنفيذ أحكام الإعدام في قضايا المخدرات دام 21 شهرًا، دون تقديم أي إصلاحات قانونية تذكر.

اللافت أن النظام القضائي السعودي لا يمنح المتهمين – وخاصة الأجانب – الحد الأدنى من ضمانات المحاكمة العادلة. وتبرز هنا إشكالية “نظام التعزير”، الذي يمنح القضاة سلطة تقديرية شبه مطلقة لفرض العقوبات، بما فيها الإعدام، على الجرائم غير المحددة بوضوح في الشريعة الإسلامية.

وبموجب هذا النظام، يمكن أن يُحكم على شخص بالإعدام فقط بناء على تقييم شخصي للقاضي، بعيدًا عن معايير العدالة الموضوعية.

في عام 2024، نُفذ 141 حكم إعدام بموجب هذا النظام، ما يمثل 40% من جميع الإعدامات، مقارنة بـ54 حالة في 2023. هذا التوسع في استخدام التعزير يؤكد أن السعودية لا تستخدم الإعدام كأداة قانونية بحتة، بل كوسيلة لتصفية حسابات سياسية، أو ضبط مجتمعي صارم على حساب الفئات الأضعف، وخصوصًا العمال الأجانب.

المقلق أيضًا هو التعتيم الذي يحيط بهذه الإعدامات. ففي كثير من الحالات، لا تُعلن أسماء الضحايا، ولا تُبلغ أسرهم أو حكوماتهم. وقد انتقد خبراء حقوق الإنسان في الأمم المتحدة هذا التعتيم، واعتبروه خرقًا لالتزامات السعودية بموجب اتفاقية فيينا للعلاقات القنصلية، التي تفرض إخطار الحكومات بوجود رعاياها في قبضة العدالة الجنائية.

لكنّ الصمت لا يقتصر على الرياض. فالحكومات التي يحمل هؤلاء الضحايا جنسياتها غالبًا ما تفضل الصمت، حفاظًا على علاقاتها السياسية والاقتصادية مع السعودية.

وبعض هذه الدول تستمر في تعزيز شراكاتها مع الرياض رغم سجلها الحقوقي السيئ، بل وتمنحها امتيازات دولية كتنظيم كأس العالم لكرة القدم 2034، متجاهلة حقيقة أن المملكة نفذت في السنوات الأخيرة أحكام إعدام بحق قاصرين ومتهمين لم يحظوا بمحاكمات عادلة.

وتقول أوساط حقوقية إن تصاعد الإعدامات بحق الأجانب، خاصة في ظل انعدام الشفافية وغياب الضمانات القانونية، يُعد نموذجًا للتمييز المؤسسي، وانتهاكًا صارخًا لحقوق الإنسان. استخدام السعودية لحبل المشنقة ضد من لا صوت لهم يكشف عن نظام قضائي مُسيّس، لا يحترم حياة الإنسان ولا كرامته.

وتشدد تلك الأوساط على أنه يجب على المجتمع الدولي، والحكومات المتواطئة بالصمت، أن تتحمل مسؤولياتها، وتطالب بوقف هذه الإعدامات، وبفتح تحقيقات دولية في الانتهاكات المرتكبة. العدالة الحقيقية تبدأ من حماية الضعفاء، لا شنقهم في الخفاء.

قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.