في سوريا.. الفرح بسقوط الدكتاتور يتحول إلى خوف من الغارات الإسرائيلية

سلطت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية الضوء على تزايد وتيرة الغارات الإسرائيلية على مناطق متفرقة من سوريا، معتبرة أن الفرح بسقوط الدكتاتور بشار الأسد يتحول إلى خوف من الهجمات الإسرائيلية.

وبحسب تقرير للصحيفة كانت رويدا العقار نائمة بجانب زوجها وابنتها البالغة من العمر ثلاث سنوات في أواخر ديسمبر عندما استيقظوا على صوت الدبابات والجرافات وهي تقترب، فهرعوا إلى خارج منزلهم الصغير ورأوا العشرات من الجنود الإسرائيليين يسيرون في قريتهم الزراعية الصغيرة، بحسب ما قالت.

 

قالت السيدة العقار مؤخرًا في منزلها في قرية السويسة، جنوب شرق سوريا، بينما كانت ابنتها تشاهد رسوم “توم وجيري” “كنت مرعوبة”، وأضافت: “كنا نخشى التهجير وإجبارنا على مغادرة منازلنا”.

 

كانت العائلة وجيرانهم يخشون لأسابيع، أن تستهدف القوات الإسرائيلية قريتهم بعد تنفيذها توغلات مماثلة في بلدات قريبة.

 

غزت إسرائيل القرى الحدودية في سوريا بعد أيام فقط من إطاحة تحالف من الثوار السوريين بالرئيس بشار الأسد في أوائل ديسمبر، فيما وصفته بأنه تدابير مؤقتة لحماية أمنها، لكن الغارات الإسرائيلية استمرت طوال يناير وحتى فبراير، مما أثار مخاوف بين السوريين من أن تتحول هذه التوغلات إلى احتلال عسكري طويل الأمد.

 

فقد استهدفت القوات الإسرائيلية القرى، لا سيما تلك التي تحتوي على مواقع عسكرية.

 

ودمرت القوات الإسرائيلية موقعًا عسكريًا صغيرًا في السويسة، تخلت عنه القوات السورية التي أخذت أسلحتها معها بعد سقوط نظام الأسد، كما طالب الإسرائيليون السكان بتسليم أي أسلحة قد تكون بحوزتهم.

 

يستند هذا التقرير إلى مقابلات مع أكثر من عشرة من سكان السويسة والدوية الكبيرة، وهي قرية مجاورة تعرضت أيضًا للمداهمات، بالإضافة إلى صور التقطها السكان بهواتفهم المحمولة.

 

السويسة قرية تضم منازل منخفضة الارتفاع، ويعمل معظم سكانها في الزراعة ورعي الماشية.

 

كان الوقت قد تجاوز السابعة صباحًا بقليل في 25 ديسمبر عندما دخلت القوات الإسرائيلية القرية، حيث واجهها العشرات من البالغين والأطفال، بحسب السكان.

 

وقام بعض السوريين بتمزيق أغصان الزيتون من البساتين القريبة كرمز للسلام، مؤكدين أن أحدًا ممن خرجوا لملاقاة الجنود الإسرائيليين لم يكن مسلحًا.

 

هتف القرويون في وجه الجنود المسلحين برشاشات نصف آلية، “سوريا حرة، حرة” و “إسرائيل اخرجوا!”.

 

وأثارت المداهمات العسكرية الإسرائيلية الرعب في نفوس سكان القرية، الذين، مثل غيرهم من السوريين، كانوا قد احتفلوا بالإطاحة بالأسد وخرجوا إلى الشوارع يعزفون الأغاني الثورية ويرفعون الأعلام، لكن في هذا الركن من سوريا، تبددت الاحتفالات سريعًا لتحل محلها المخاوف من جيش أجنبي يتقدم نحوهم.

 

قالت السيدة العقار “لقد دمروا فرحتنا”.

 

يقع هذا الجزء من جنوب شرق سوريا على حدود هضبة الجولان، وهي الأراضي التي احتلتها إسرائيل من سوريا خلال حرب 1967 ثم ضمتها لاحقًا.

 

ولم يعترف معظم العالم بهذه الخطوة، بما في ذلك الأمم المتحدة التي تعتبر الأرض محتلة، وكانت السيدة العقار وكغيرها من السوريين في المنطقة، تخشى أن تواجه قريتها المصير ذاته.

 

واستولت إسرائيل في الأشهر الأخيرة، على منطقة عازلة منزوعة السلاح في الجولان وأراضٍ في جنوب غرب سوريا، بما في ذلك جبل الشيخ، أعلى قمة في البلاد، كما نفذت مئات الغارات الجوية، مدمرة أصولًا عسكرية سورية، بما في ذلك دبابات ومنشآت إنتاج أسلحة وأنظمة دفاع جوي، وفقًا لمجموعات مراقبة سورية، وتقول القوات الإسرائيلية إنها تتحرك “لحماية حدود إسرائيل”.

 

ترى إسرائيل أن هضبة الجولان ضرورية لأمنها، نظرًا لموقعها الاستراتيجي على حدود سوريا والأردن ولبنان، مما يوفر لها نقطة مراقبة عسكرية مهمة، وهناك الآن مخاوف في إسرائيل من أن سقوط نظام الأسد قد خلف فراغًا أمنيًا في المنطقة.

 

وقد أشار رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى أن الجيش سيحتفظ بالأراضي التي استولى عليها في المستقبل المنظور، “حتى يتم التوصل إلى ترتيب آخر يضمن أمن إسرائيل”.

وتواصل القوات الإسرائيلية تنفيذ توغلات عبر الحدود إلى سوريا باستخدام الجرافات والمركبات المدرعة، وفقًا لمنظمة “إيتانا” السورية للمتابعة والتحليل.

 

واستهدفت غارة جوية إسرائيلية في 16 يناير، قافلة حكومية سورية، مما أسفر عن مقتل شخصين على الأقل، بينهم رئيس بلدية، بحسب “إيتانا” ومجموعة مراقبة سورية أخرى، هي المرصد السوري لحقوق الإنسان.

 

كما داهمت القوات الإسرائيلية قواعد سابقة للجيش السوري في محافظتي القنيطرة ودرعا الجنوبية لهدم الممتلكات واحتلال الأراضي ومطالبة السكان بتسليم أي أسلحة بحوزتهم،

وفقًا لـ “إيتانا”.

 

وقالت المنظمة في تقرير صدر في يناير: “تشير الأدلة المتاحة إلى أن إسرائيل قد توسع وتعزز احتلالها لمناطق في محافظة القنيطرة”.

 

وتعد التوغلات الإسرائيلية الأخيرة والاستيلاء على المنطقة العازلة في الجولان انتهاكًا لاتفاق 1974 بين البلدين، الذي تم التوصل إليه بعد نهاية حرب 1973، وفقًا للأمم المتحدة.

 

واتفقت كل من سوريا وإسرائيل بعد ذلك الصراع، على أن يقوم جنود حفظ السلام التابعون للأمم المتحدة بمراقبة منطقة منزوعة السلاح تمتد على مساحة 155 ميلًا مربعًا بين قواتهما.

وقد أدانت العديد من الأطراف الدولية هذه التوغلات الإسرائيلية، وأكدت الأمم المتحدة في يناير، أن “سيادة سوريا ووحدتها الإقليمية يجب أن تُستعاد بالكامل”.

 

ودعا غير بيدرسن، المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى سوريا، إسرائيل في ديسمبر، إلى وقف هجماتها العسكرية “المقلقة للغاية”.

 

وانتقد أحمد الشرع، زعيم الحكومة السورية الجديدة، إسرائيل بسبب توغلها، قائلاً إنه يشكل انتهاكًا لاتفاقية الهدنة لعام 1974.

 

ويقول شادي المليحان، الصحفي الذي يعيش في سواسية، إنه كان من بين الذين واجهوا القوات الإسرائيلية عندما دخلت قريته في ديسمبر.

 

وقال “لقد عشنا في حرب منذ ما يقرب من 14 عامًا”، مضيفا “لا نريد حربًا أخرى”.

وطالب الجنود الاسرائيليون السكان بتسليم أي أسلحة موجودة في القرية، وفقًا لما قاله السيد المليحان وسكان آخرون.

 

وقال بدير الكرايات، زوج السيدة العقار: “قالوا إن عليكم أن تعلنوا عبر مكبرات الصوت في المسجد أننا نريد جميع الأسلحة، وإذا لم تفعلوا فلدينا مكبر صوت”، وأضاف: “قلنا لهم: لا نملك أسلحة، نحن مزارعون”.

 

فيما كان بعض السكان يواجهون الجنود، كان جنود آخرون يهدمون النقطة العسكرية، وبعض أشجار الزيتون، ومبنى بلدية صغير، وفقًا لما قاله عدة سكان.

 

وانسحب الجنود بعد ساعتين، باتجاه الدواية الكبيرة، مستهدفين نقطة عسكرية سورية مهجورة هناك، بحسب السكان.

 

وتجمع القرويون في تلك المنطقة، حول النقطة العسكرية السابقة وجلسوا فوق هياكل أخرى في محاولة لمنع القوات الإسرائيلية من تدميرها، ثم، وفقًا لما ذكره العديد من السكان ومجموعة حقوقية، فتحت القوات الإسرائيلية النار على المدنيين العزل، وأصيب ما لا يقل عن خمسة مدنيين، بينهم طفل، وفقًا للسكان والمرصد السوري لحقوق الإنسان ومقره بريطانيا.

 

وقالت القوات الإسرائيلية إنها “لا تستهدف عملياتها ضد المدنيين أو البنى التحتية المدنية”.

 

وردًا على الأسئلة، قالت إنها “عملت بالقرب من القرية لتحييد البنى التحتية العسكرية التي تشكل تهديدًا” لقواتها.

وأضافت: “تمت ملاحظة عدة مجموعات تقترب من أفراد الجيش الإسرائيلي في المنطقة، وبعد أن تم تحذير الحشد بالابتعاد والحفاظ على مسافة آمنة، واصل بعض الأفراد التقدم نحو القوات، التي ردت بإطلاق طلقات تحذيرية في الهواء فقط”.

وقال خالد العاقل، 17 عامًا، طالب في المرحلة الثانوية، إنه كان من بين الذين أُطلق عليهم النار في الدواية الكبيرة أواخر ديسمبر.

وأوضح أنه وسكان آخرون ذهبوا لمواجهة القوات الإسرائيلية، “فبدأوا بإطلاق النار” على أقدامهم باستخدام رشاشات نصف آلية.

وقال السيد العاقل: “لم نكن نظن أنهم سيطلقون النار علينا لأننا لم نكن نحمل أي أسلحة”.

وأشار هو ووالدته إلى أن ابن عمه أصيب بطلق ناري في قدمه، وعندما ذهب العاقل لإنقاذه، أصيب في ساقيه.

وقال علاء العواد، 24 عامًا، الذي أصيب في كاحله، وهو يتحدث بينما كان مستلقيًا على كومة من الفرش الرقيقة، وساقه اليسرى مرفوعة على وسادة “لقد افشلوا احتفالاتنا بتوغلهم”.

وقال سكان في سواسية والدواية الكبيرة إنهم يشعرون بالقلق مما سيحدث بعد ذلك، فرغم انسحاب القوات الإسرائيلية، إلا أن السكان أشاروا إلى أنهم ما زالوا يرون تحركاتهم على قمتين جبليتين قريبتين سيطر عليهما الجنود.

وقال حسن محمد، 32 عامًا، وهو أحد المحتجين الذين واجهوا الجنود في الدواية الكبيرة: “لا نعرف ما هو هدفهم”، في إشارة إلى إسرائيل. وأضاف: “لكن هدفنا كشعب هو حماية أراضينا. لقد تخلصنا للتو من طاغية واحد، ولا نريد آخر يأتي ليحتلها”.

قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.