تعتبر الحماية الاجتماعية حق إنساني عالمي منصوص عليه في العديد من معايير الحقوق الإنسانية والعمالية.
ويتضمن ذلك الوصول للرعاية الطبية، والخدمات الصحية، وضمان الدخل خلال دورة الحياة، خصوصاً في حالة المرض، والإصابة المهنية، والحمل والولادة، والمسئوليات الاجتماعية، والتعطل، وفقدان معيل الاسرة، وكذلك خلال فترة التقاعد وكبر السن.
وقد شهدت أنظمة الحماية الاجتماعية، على مدى القرن الماضي، نموا كبيرا مثيرا للإعجاب. ومع ذلك، لايزال نصف سكان العالم – أكثر من 4 مليار نسمة – يفتقرون لسبل الوصول أي من مزايا الحماية الاجتماعية.
وبحسب منظمة migrant-rights الحقوقية تتجلى تحديات مد الحماية الاجتماعية لتغطية العمال المهاجرين، بوضوح في دول مجلس التعاون الخليجي حيث يشكّل العمال المهاجرون مابين 75% – 95% من القوى العاملة فيها.
وفي حين كان موضوع الحماية الاجتماعية من المشاكل المتصاعدة قبل كوفيد-19، فقد أكدت الجائحة على أهميته الملحة.
وقد تركت الثغرات في أنظمة الحماية الاجتماعية الكثيرين، بدون دخل عندما لم يكن بوسعهم العمل بسبب المرض أو قيود الجائحة أو بسبب الاستغناء عنهم خلال فترة إغلاق الشركات.
ويعتبر فهم المزايا المتاحة حاليا للعمال المهاجرين هو الخطوة الرئيسية لتقوية الحماية الاجتماعية لهم في المنطقة:
ماهي مستحقات الحماية الاجتماعية التي تتوفر للعمال المهاجرين؟
إلى أي مدى يستطيع العمال الأجانب الوصول لهذه المستحقات في الواقع العملي؟
نصوص الحماية الاجتماعية: القطاع العام مقابل القطاع الخاص
سوق العمل في دول الخليج مجزأ: الغالبية العظمى من مواطني دول الخليج موظفون في القطاع العام، فيما غالبية المهاجرين يعملون في القطاع الخاص.
وهذا يظهر فيما يقدم للحماية الاجتماعية: وظائف القطاع العام تمنح أجور أفضل بشكل عام، وهي أكثر سخاء في مستحقات الحماية الاجتماعية للمواطنين، فيما الحماية الاجتماعية في القطاع الخاص عادة ما تكون أقل بدرجة كبيرة.
ويعتمد الكثير من يقدمه القطاع الخاص للموظفين، على ترتيبات “مسئولية صاحب العمل” (على عكس نظام التأمين الاجتماعي).
وتعنى مسئولية صاحب العمل أن أصحاب العمل الأفراد مسئولين بشكل مباشر عن دفع المزايا، وعلى سبيل المثال، عندما يتعرض العامل لإصابة في العمل، أو يطلب إجازة مرضية أو إجازة حمل.
ومن الممكن أن تشكّل هذه الترتيبات ضغوطاً على العمال وتدفعهم لعم أخذ إجازة مرضية أو إجازة أمومة، أو تشجّع أصحاب العمل على التمييز في التوظيف أو إبقاء العقود مع العمال الذين لديهم ظروف واضحة.
بالإضافة إلى ذلك، قد تعاني الشركات الصغيرة من التبعات المالية، مما يخلق حافزاً لتوظيف العمال بشكل غير رسمي، او تقليل الالتزام بالبنود المنصوص عليها.
بشكل عام أكثر، فإنه من الصعب مراقبة وانفاذ أحكام المسئولية. وحيث أن صاحب العمل يتحمل، منفردا، مسئولية دفع المستحقات، فقد يُترك العمال بلا حماية في حالة مواجهة صاحب العمل مصاعب مالية أو تعرضه للإفلاس.
غالباً ما تكون متابعة الشكاوى صعبة بسبب إلزام نظام الكفالة العمال بمغادرة البلاد بعد فترة قصيرة من انهاء عقود عملهم.
بالإضافة إلى ذلك فإن عملية التظلم تستغرق وقتاً طويلاً، وسوف تكون مكلفة لو بقي العامل بدون عمل لمتابعة قضيته والدفاع عن حقه.
التمييز بين المهاجرين والمواطنين
إلى جانب هذه القيود في أحكام القطاع الخاص، فإن أحكام الحماية الاجتماعية أصعب بالنسبة للمهاجرين، ذلك لأن القانون غالباً ما يفشل في الاعتراف بمبادئ المساواة في المعاملة بين المواطنين وغير المواطنين.
يتزايد التمييز بين المواطنين والعمال المهاجرين فيما يتعلق بشروط الوصول للرعاية الصحية. بالإضافة إلى ذلك، فإنه غالباً ما يتم استثناء المهاجرين من حقوق الضمان الاجتماعي الواقعة خارج نطاق العلاقة بين صاحب العمل والموظف.
على سبيل المثال، لا توجد حقوق للمهاجرين للحصول على المزايا العائلية، مزايا التعطل (في جميع الحالات، ماعدا البحرين، وحديثا انضمت لها الإمارات من خلال صندوق خاص يموّل من قبل الموظفين)، وكذلك كبر السن، الإعاقة، ونصيب الورثة من معاشات التقاعد.
وتعتبر مكافأة نهاية مدة الخدمة، هي الاستحقاق الأكثر شيوعاً، وهو عبارة عن مبلغ مقطوع بُدفع عند انتهاء مدة الخدمة.
استثناءات لأنواع معينة من العمل
لا يوجد أية مستحقات، تقريبا، للعاملين بنظام الدوام الجزئي، أو في الوظائف الموسمية، أو المؤقتة، أو العاملين لحسابهم الخاص.
ومن المهم الإشارة، مع ذلك، إلى أن العاملين في اقتصاد الوظائف المؤقتة، عادة ما يتم توظيفهم على أساس أنهم موظفين لدى شركات تقوم بتوظيف عمالها لدى شركات المنصات الرقمية.
وفي هذه الحالة، فمن الأجدى أن يتم تغطيتهم بالأحكام نفسها السارية على موظفي القطاع الخاص أكثر من تصنيفهم على أنهم “يعملون لحسابهم الخاص”.
كذلك فمن المعروف تاريخياً أنه يتم استثناء عاملات المنازل، برغم أنه تم منحهن بعض المستحقات خلال العقد الأخير.
أما أولئك اللاتي ليس لديهن إقامة عادية أو تأشيرة عمل، فليس لهن الحق في الحماية الاجتماعية، إلا في حالات الرعاية الصحية الطارئة.
تطورات إيجابية
وفي مقابل هذه التحديات الصعبة، توجد هناك بعض المؤشرات الإيجابية الدالة على الإصلاح.
أولاً، هناك بعض الأدلة على أن هناك تحول من الأحكام التقليدية المتعلقة بصاحب العمل، إلى إدراج العمال المهاجرين تحت مظلة أنظمة الضمان الاجتماعي.
في البحرين والسعودية، يسمح القانون للعمال الأجانب، مبدئياً، بالوصول إلى أنظمة الضمان الاجتماعي على قدم المساواة مع المواطنين – وكذلك إلى نظام التعطل في البحرين (وإن كان الوصول في الواقع العملي يبقى محدوداً).
وحديثا، أصدرت عمان قانوناً يمهد الطريق لنموذج جديد في المنطقة؛ يمنح العمال المهاجرين مدخلاً للوصول إلى نظام التأمين الاجتماعي الوطني لتغطية المرض، الأمومة، وإصابات العمل على قدم المساواة مع المواطنين.
وفي الوقت الذي يستمر استثناء المهاجرين من أنظمة التقاعد، أعلنت بعض دول المنطقة، أو بدأت بدراسة، إصلاحات لتغيير ترتيبات مكافأة نهاية الخدمة ليتم دفعها من خلال مؤسسات الضمان الاجتماعي، كما هو الوضع في البحرين منذ 2022 بحسب القانون 14/2022، وكذلك في عمان.
إذ تم إنشاء صندوق ادخار ليحل محل مكافأة نهاية الخدمة، في يوليو، وسيدخل حيز التنفيذ خلال السنوات الثلاث المقبلة (المرسوم 52/2023) ومن شأن ذلك أن يتيح قدر أكبر من الرقابة والإنفاذ من قبل الدولة.
وفي الوقت الذي تسقط عاملات المنازل خارج نطاق قانون العمل في معظم دول الخليج، إلا أن العقد الماضي شهد إصلاحات لتطوير تشريعات جديدة لعاملات المنازل، لإعطائهم الحماية العمالية – بما في ذلك بعض مستحقات الحماية الاجتماعية.
ويعني هذا، أن عاملات المنازل في جميع هذه الدول، ماعدا عمان، أصبح لهم حق التغطية الصحية، ومكافأة نهاية الخدمة – ومزايا تغطية المرض، وإصابة العمل في بعض الحالات.
ومع ذلك، إلا أن آليات نطاق، وكفاية تمويل ذلك، لعاملات المنازل غالباً ما تكون أقل من تلك الخاصة بالعمال الآخرين في القطاع الخاص.
مخاوف متزايدة
وبرغم وجود بعض التطورات الإيجابية في أحكام الحماية الاجتماعية، إلا أن هناك بعض الحالات التي تستدعي قلقاً كبيراً.
من بينها، ظهور التأمين الخاص الإلزامي لتوسيع أشكال معينة من الحماية لتشمل العمال المهاجرين.
ويشكل هذا النهج خطورة لتولد المزيد من عدم المساواة في المزايا، وارتفاع كلفة هذا الاستثناء، والفشل في تحقيق مبادئ التكافل واسع النطاق ودور الدولة كضامن للحماية الاجتماعية.
وباستثناء خمس من الإمارات، فإن التأمين الصحي للعمال المهاجرين والممول من قبل صاحب العمل سوف يكون إلزاميا، قريبا، في جميع دول الخليج، وعلى الأغلب، سيكون من خلال نموذج التأمين الخاص.
في الإمارات، أصبح جميع موظفي القطاع الخاص، ملزمين بدفع تكلفة التأمين ضد التعطل بالكامل. وفي مركز دبي المالي العالمي، تم استبدال ترتيبات مكافأة نهاية الخدمة بنظام ادخار الزامي يديره القطاع الخاص.
الرابط المختصر https://gulfnews24.net/?p=65489