اقتصاديون يحذرون من تبعات أزمة الكهرباء: تكاليف ضخمة على الاقتصاد الإيراني

تواجه إيران أزمة طاقة حادة، حيث أغلقت بعض الشركات والمكاتب الحكومية جزئيًا، فيما بدأ التعليم عن بُعد في بعض المناطق. ووفقًا للمحللين، يتطلب الأمر تدخلًا حكوميًا عاجلًا وقويًا للحد من التأثير الاقتصادي الكبير الذي تسببت فيه الأزمة.

تعاني البلاد من زيادة في الطلب على الطاقة خلال فصل الشتاء، وقد طالبت الحكومة المواطنين بخفض درجات الحرارة لتفادي انقطاع التيار الكهربائي. وفي الأسبوع الماضي، اعتذر الرئيس الإيراني مسعود طبيب زاده من الشعب في مقابلة محلية، حيث قال: “للأسف، هذا العام، نحن مضطرون لطلب بعض التريث من الجمهور”، وأضاف: “سنعمل بجد لضمان عدم تكرار هذه الأحداث في العام المقبل”.

أسباب الأزمة: سوء الإدارة ودعم الطاقة غير المستدام
ترجع الأزمة إلى “عجز الحكومة عن إدارة استهلاك الطاقة وتحسين كفاءة استهلاك الوقود”، وفقًا لما قاله مهدي غُدسي، الاقتصادي في معهد فيينا للدراسات الاقتصادية الدولية.

وفي إيران، يصل سعر لتر البنزين المدعوم بالكامل إلى حوالي 15,000 ريال، أي أقل من سنتين أمريكيين، حسب المعدل غير الرسمي في موقع “بنبست” لصرف العملات. ووفقًا لتقديرات وكالة الطاقة الدولية، بلغ الدعم الحكومي للوقود في إيران للفرد حوالي 917.5 دولارًا العام الماضي، فيما ارتفع الدعم الموجه للطاقة من 81.8 مليار دولار في 2022 إلى أكثر من 154 مليار دولار في 2022.

الاستنزاف الكبير للطاقة والآثار الاقتصادية
وصل استهلاك البنزين اليومي في إيران إلى 111.3 مليون لتر في السنة المالية الماضية، بزيادة عن 102 مليون لتر في العام السابق، بحسب البيانات الرسمية. ويقول غُدسي: “إن هذا الاستهلاك الكبير يصاحبه دعم حكومي ضخم أصبح غير مستدام”، مشيرًا إلى أن قلة الاستثمارات في بنية الطاقة التحتية أسهمت أيضًا في تفاقم الوضع.

احتياطيات ضخمة ولكن أزمة مستمرة
رغم أن إيران تمتلك احتياطيات ضخمة من الهيدروكربونات وتعد رابع أكبر منتج للنفط في أوبك، إلا أن السبب الرئيس في أزمة الطاقة يكمن في دعم الطاقة غير المستدام. ويقول محمد فرزانيجان، أستاذ الاقتصاد في جامعة فيليب في ماربورغ: “نتيجة للطاقة الرخيصة، تظل كثافة الطاقة في الإنتاج عالية، ولا يوجد حافز لتحسين كفاءة استخدام الطاقة”، مشيرًا إلى صعوبة جذب الاستثمارات الخاصة والدولية في القطاعات التي تتدخل الحكومة في تسعيرها.

الأزمة الاقتصادية وآثارها المتزايدة
بينما يُلقى اللوم على العقوبات الاقتصادية في أزمة الكهرباء، يرى البعض أن السبب الأكبر هو سوء الإدارة وضعف الحوكمة. ويشير أليكس فتانكا، مدير برنامج إيران في معهد الشرق الأوسط، إلى أن النظام الإيراني لا يعرف كيف يحدد أولوياته.

ويشرح غُدسي أن انقطاع الكهرباء يعطل “اقتصادات الحجم”، مما يقلل من الكفاءة ليس فقط أثناء انقطاع التيار ولكن أيضًا خلال فترة التعافي. هذه الفجوة في الكفاءة تتراكم بمرور الوقت، خاصة إذا كانت الانقطاعات غير متوقعة. ووفقًا لتقدير من غرفة التجارة الإيرانية، فإن خسارة الاقتصاد الإيراني بسبب انقطاع الكهرباء قد تصل إلى 110 ملايين دولار يوميًا.

إصلاحات مطلوبة ولكن التحديات كبيرة
هناك حديث عن زيادة أسعار الوقود وتقليص الدعم، لكن فتانكا يرى أن “الطاقة قضية حساسة، والكثير من الناس يعتمدون على الطاقة الرخيصة”. بدلاً من زيادة الأسعار بشكل مفاجئ، كان ينبغي على الحكومة تخصيص الوقت خلال العامين الماضيين لتوعية الجمهور حول سبل استخدام الطاقة بشكل مسؤول.

ويشدد فتانكا على ضرورة تقليص الدعم، لكنه يضيف أن الحكومة يجب أن تعوض ذلك بطرق أخرى مثل تحسين كفاءة استخدام الطاقة. ويرى أن التغيير السياسي وتغيير السياسة الخارجية أمران حاسمان لتحقيق أي تقدم.

السبيل إلى الحل: إصلاحات ودبلوماسية
من جهته، يرى فرزانيجان أن إصلاح دعم الطاقة ورفع العقوبات الأمريكية هما الحل الأمثل للأزمة. ويؤكد أن ذلك يتطلب حكومة قوية وإرادة سياسية ودعمًا كبيرًا من المجتمع المدني. ويشدد على أن حملة توعية كبيرة داخل إيران ضرورية لشرح الآثار السلبية لاستمرار دعم استهلاك الطاقة.

وفي الوقت نفسه، يتعين على الحكومة إيجاد سبل للتفاوض مع الإدارة الأمريكية الجديدة لرفع العقوبات، وهو ما قد يتطلب “اتفاقات صعبة”. وفي النهاية، يشير غُدسي إلى ضرورة أن تتخذ الحكومة إجراءات جريئة وحاسمة لاستعادة الاستقرار، بما في ذلك “أولوية تقليص النفقات غير الضرورية التي لا تخدم المصلحة العامة”.

قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.