شهدت منطقة الشرق الأوسط ارتفاعًا ملحوظًا في معدلات البطالة خلال العامين الأخيرين، في ظل تداعيات الأزمة الاقتصادية العالمية التي أثرت على مختلف القطاعات الاقتصادية في المنطقة. حسب تقرير حديث صادر عن منظمة العمل العربية، فإن البطالة في بعض الدول العربية سجلت مستويات غير مسبوقة، مما يعكس التأثيرات العميقة للأزمات الاقتصادية والاجتماعية التي نشأت بعد جائحة كورونا والحروب المستمرة في بعض البلدان.
في دول مثل لبنان وسوريا واليمن، تجاوزت معدلات البطالة حاجز الـ 20%، في حين شهدت دول أخرى مثل مصر والأردن والمغرب زيادات طفيفة في أعداد العاطلين عن العمل. ويرجع الخبراء ارتفاع هذه المعدلات إلى تراجع النشاط الاقتصادي بسبب الانكماش العالمي، وتراجع الاستثمارات، فضلاً عن تدهور البنية التحتية في بعض الدول المتأثرة بالحروب والنزاعات.
الأوضاع في لبنان، على سبيل المثال، تعد من الأكثر تضررًا في المنطقة. فقد ارتفعت نسبة البطالة بشكل كبير بسبب تدهور الاقتصاد الوطني الذي يعاني من انهيار العملة الوطنية وتدهور القدرة الشرائية للمواطنين. وأدى ذلك إلى نقص حاد في فرص العمل، ما جعل نسبة البطالة تصل إلى أكثر من 30% في بعض المناطق. كما ساهمت الأزمة المالية التي يعاني منها لبنان في إغلاق العديد من الشركات الصغيرة والمتوسطة، مما فاقم من الأوضاع الاقتصادية.
وفي سوريا، حيث استمرت الحرب المستمرة منذ أكثر من عقد، بلغ معدل البطالة مستويات كارثية، مع فقدان الآلاف لوظائفهم بسبب التدمير المستمر للبنية التحتية والنقص الحاد في الاستثمارات. رغم بعض الجهود من قبل الحكومة السورية لإعادة إعمار ما تم تدميره، إلا أن الأوضاع الاقتصادية الصعبة لا تزال تؤثر على قدرة الدولة في توفير فرص عمل جديدة للمواطنين.
في المقابل، تشير التقارير إلى أن بعض الدول في الخليج العربي بدأت تتخذ خطوات لمكافحة البطالة، رغم التحديات الكبيرة التي تواجهها في هذا الصدد. ففي المملكة العربية السعودية، على سبيل المثال، بدأت الحكومة السعودية في تطبيق خطة “رؤية 2030” التي تهدف إلى تنويع الاقتصاد الوطني وتقليص الاعتماد على النفط، وهو ما يتطلب استحداث آلاف الوظائف في قطاعات جديدة مثل التكنولوجيا والطاقة المتجددة. ويعتبر هذا التحول خطوة مهمة نحو معالجة مشكلة البطالة، خاصة في صفوف الشباب السعودي الذين يشكلون الجزء الأكبر من القوى العاملة.
وبالنسبة لمصر، تعمل الحكومة على دعم القطاع الخاص وتحفيز الاستثمارات الأجنبية بهدف تقليص نسبة البطالة، حيث تسعى إلى تنفيذ مشروعات بنية تحتية ضخمة وتطوير المناطق الصناعية. وتستهدف الحكومة أيضًا قطاع السياحة كأحد العوامل الأساسية لتوفير فرص عمل جديدة، خاصة في المناطق الساحلية والمدن السياحية.
على الرغم من هذه الجهود، يبقى تحقيق التوظيف الشامل تحديًا كبيرًا للعديد من الدول في المنطقة. ويحتاج الأمر إلى إصلاحات هيكلية على المستوى الاقتصادي والتعليم المهني، بالإضافة إلى تحسين بيئة الأعمال وتوفير حوافز للمستثمرين الأجانب والمحليين، من أجل خلق فرص عمل مستدامة.
في السياق ذاته، من المهم الإشارة إلى أن البطالة لا تؤثر فقط على الاقتصاد، بل لها تداعيات اجتماعية خطيرة. ففي ظل تزايد معدلات البطالة، تصبح بعض الفئات الاجتماعية عرضة للمشاكل النفسية والاجتماعية مثل الاكتئاب والتوتر، كما قد يتزايد العنف الاجتماعي والاحتجاجات في بعض البلدان نتيجة للضغط الاقتصادي.
وفي الختام، تعد مكافحة البطالة أحد أهم التحديات التي تواجه منطقة الشرق الأوسط في السنوات القادمة، وتتطلب استراتيجيات فعالة تتماشى مع التحولات الاقتصادية العالمية وتلبي احتياجات سوق العمل المحلية.
الرابط المختصر https://gulfnews24.net/?p=71461