أثار توقيع سبع مذكرات تفاهم جديدة بين دولة الإمارات العربية المتحدة وجمهورية كينيا، تغطي مجالات متنوعة تشمل التعاون العسكري والتنمية الاقتصادية والطاقة، تساؤلات سياسية وإقليمية متزايدة حول الأهداف غير المعلنة من هذه الشراكة، خاصة في ظل اتهامات متكررة للطرفين بدعم قوات الدعم السريع التي تخوض حربًا دامية ضد الجيش السوداني منذ أكثر من عام.
وتأتي هذه الاتفاقيات التي وُقعت خلال زيارة وزير الخارجية الإماراتي الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان إلى نيروبي ولقائه بالرئيس الكيني ويليام روتو، في وقت تشهد فيه العلاقات بين السودان وكل من الإمارات وكينيا توترًا متصاعدًا، تخلله تبادل اتهامات علني واستدعاء سفراء.
ففي حين تقدّم الإمارات الاتفاقيات الأخيرة بوصفها جزءًا من سياسة تنويع الشراكات الاقتصادية وتعزيز النفوذ التنموي في القارة الأفريقية، يرى مراقبون أن الطابع العسكري لبعض مذكرات التفاهم يثير علامات استفهام جدية بشأن الدور الذي قد تلعبه هذه التفاهمات في إدارة وتوجيه الصراع السوداني خلف الكواليس.
التعاون العسكري في سياق ملتهب
من بين الاتفاقيات السبع الموقعة، تبرز مذكرة التعاون العسكري كعنصر مفصلي يعيد طرح سؤال قديم جديد: هل تستخدم الإمارات هذه الشراكات كأغطية سياسية أو لوجستية لتمويل وتسليح حلفائها في النزاعات الإقليمية، وعلى رأسهم قوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو “حميدتي”؟
تتهم الحكومة السودانية، جهارًا، كينيا بـ”احتضان مليشيات الإبادة الجماعية”، في إشارة إلى الدعم السياسي واللوجستي الذي يُعتقد أن نيروبي توفره للدعم السريع. كما تشير تقارير أممية وحقوقية إلى أن الإمارات تواصل تقديم دعم مالي وتسليحي غير مباشر للقوات ذاتها، رغم نفي أبوظبي الرسمي المتكرر لذلك.
ومع توقيع اتفاق تعاون عسكري مباشر بين أبوظبي ونيروبي، تزداد المخاوف من أن تتحول كينيا إلى قناة خلفية لنقل الدعم إلى الدعم السريع، بما يسمح للإمارات بالتهرب من أي مسؤولية قانونية أو سياسية علنية، خصوصًا في ظل ضغط متزايد من أطراف دولية وإقليمية تطالب بوقف الحرب ودعم مسار السلام.
كينيا كبوابة إقليمية… وتحولات الدور
تلعب كينيا تقليديًا دور الوسيط في نزاعات شرق أفريقيا، لا سيما في إطار مجموعة إيغاد، لكن موقفها من الأزمة السودانية بات محل شك عميق لدى الخرطوم.
فالحكومة السودانية لم تكتفِ باتهامات لفظية، بل استدعت سفيرها لدى نيروبي في فبراير الماضي، احتجاجًا على ما وصفته بـ”استضافة كينيا لاجتماعات ضمت قوى سياسية وقيادات من الدعم السريع بهدف إقامة حكومة موازية”.
وتعكس اللغة المتشددة في بيانات الخارجية السودانية حجم التوتر، إذ اتهمت نيروبي بالتصرف كـ”دولة مارقة”، مشيرة إلى استخدام مصطلحات تمس بشرعية الحكومة السودانية نفسها، مثل الإشارة إلى “إدارة القوات المسلحة السودانية” بدلاً من “حكومة السودان”.
وفي هذا السياق، يبدو أن كينيا، المدعومة اقتصاديًا من الإمارات، بدأت تحوّل دورها من وسيط إلى طرف منحاز في الأزمة، ما يعمق المخاوف من أن تكون الاتفاقيات الموقعة مجرد واجهة لتنسيق ميداني غير معلن.
المصالح الاقتصادية غطاء أم حافز؟
تستند الرواية الرسمية الإماراتية إلى توسيع التعاون مع كينيا في مجالات الطاقة المتجددة، النقل، والجمارك، إلى جانب نمو ملحوظ في التجارة غير النفطية بين البلدين، التي بلغت 3.1 مليار دولار في 2023، بزيادة قدرها 26% عن العام السابق.
وبينما لا يمكن إنكار الطابع التنموي للعديد من هذه الاتفاقيات، إلا أن المراقبين يشيرون إلى أن النفوذ الاقتصادي قد يتحوّل إلى أداة سياسية، تمنح الإمارات تأثيرًا مباشرًا على مواقف نيروبي الإقليمية، خصوصًا في ملف السودان.
فتعزيز الاستثمارات الإماراتية في البنية التحتية والطاقة الكينية، يمنح أبوظبي موطئ قدم استراتيجيًا في شرق أفريقيا، قرب البحر الأحمر والسودان.
غياب الأدلة العلنية… لا ينفي النية السياسية
رغم عدم وجود دلائل دامغة على استخدام الاتفاقيات الأخيرة لدعم الدعم السريع، فإن السياق الإقليمي الحاد، وتوقيت الإعلان عنها، ومحتواها العسكري، كلها مؤشرات تقوّي منطق الشك.
ففي الوقت الذي يزداد فيه الضغط الدولي على الإمارات لتوضيح موقفها من الصراع السوداني، وتطالب الخرطوم بوقف ما تسميه “دعمًا خارجيًا للتمرد”، يأتي الإعلان عن تعاون عسكري جديد مع دولة تُتهم أصلاً بالانحياز لطرف دون آخر، ليؤكد أن اتفاقات التنمية قد تحمل أبعادًا أمنية عميقة.
ومع تزايد تعقيد المشهد السوداني وتنامي دور اللاعبين الإقليميين فيه، قد تتحول هذه الاتفاقيات إلى نقطة انطلاق لمطالبات أممية بفرض رقابة على الدعم الخارجي لأطراف النزاع. كما أن استمرار صمت المجتمع الدولي عن هذه التحركات قد يطيل أمد الصراع، ويمنح الأطراف الداعمة وقتًا إضافيًا لإعادة تموضعها الجيوسياسي على حساب معاناة المدنيين.
في هذا السياق، ستبقى العلاقة الإماراتية-الكينية تحت مجهر التحليل، ليس فقط من زاوية التنمية والاستثمار، بل من زاوية استخدام أدوات الدولة الحديثة لخدمة حروب الوكالة.
الرابط المختصر https://gulfnews24.net/?p=71532