إيران والنووي: غياب الخطة البديلة في ظل تصادم الخطوط الحمراء مع واشنطن

تواجه إيران لحظة سياسية حرجة على خلفية تصاعد التوتر مع الولايات المتحدة بشأن ملفها النووي، وسط غياب ما يمكن اعتباره “خطة بديلة” واضحة في حال فشل المفاوضات.

وبينما تصر طهران على حقها في تخصيب اليورانيوم، تتجه المحادثات نحو طريق مسدود، وتبدو الخيارات المتاحة أمام صناع القرار في طهران محدودة ومحمّلة بالمخاطر.

رهانات بلا مظلة

بحسب مصادر إيرانية مطلعة تحدثت إلى صحفيين غربيين، فإن القيادة في طهران تدير المواجهة مع واشنطن ضمن استراتيجية تعتمد على الصمود وتفادي التصعيد، لكنها لا تملك خطة واقعية للخروج من المأزق في حال انهيار التفاوض.

رهان إيران الأساسي يتمثل في كسب الوقت، وفتح قنوات خلفية مع قوى كبرى مثل الصين وروسيا، لكن هذا الرهان يبدو هشاً في ظل الانقسام الجيوسياسي العميق عالمياً، وحسابات بكين وموسكو المتغيرة.

وفي هذا السياق، أعلن المرشد الأعلى علي خامنئي رفضه الصريح لمطالب واشنطن بوقف تخصيب اليورانيوم، معتبراً أنها مطالب “مذلة”، ما يعكس تصلباً في الموقف الإيراني في مرحلة تستدعي مرونة سياسية.

مأزق داخلي وضغوط خارجية

الوضع الداخلي في إيران يضيف ثقلاً على حسابات القيادة. فقد أدت العقوبات الاقتصادية إلى تدهور حاد في سعر العملة، وتفاقمت أزمة الكهرباء والمياه، فيما تتوالى التقارير عن تراجع مستوى المعيشة واتساع رقعة السخط الشعبي.

وتخشى طهران من انفجار اجتماعي جديد، خاصة أن احتجاجات الأعوام الماضية كشفت عن عمق التململ الشعبي، قبل أن تُقابل بالقمع الأمني الواسع.

ومع عودة دونالد ترامب إلى الواجهة السياسية وترشحه مجدداً، استأنفت واشنطن سياسة “الضغط الأقصى”، متضمنة حزمة جديدة من العقوبات والاستهدافات الاقتصادية. لكن في المقابل، لم تبلور طهران مقاربة سياسية مرنة تسمح بامتصاص هذه الضغوط أو إعادة تشكيل البيئة التفاوضية.

شروط متصادمة

المحادثات الجارية حالياً تراوح مكانها بسبب تباين جذري في المطالب. إيران ترفض كلياً التفريط بمخزونها من اليورانيوم عالي التخصيب، أو الخوض في تفاصيل برنامجها الصاروخي، وهو ما تعتبره واشنطن وشركاؤها “شروطاً ضرورية” لأي اتفاق دائم. كما تصر طهران على رفع شامل وفوري للعقوبات، بينما تفضل واشنطن رفعاً تدريجياً مرتبطاً بسلوك إيران في الملف النووي وسلوكها الإقليمي.

هذه الفجوة الكبيرة في المواقف تجعل من أي تسوية شاملة أمراً بعيد المنال في المدى القريب، فيما يشير دبلوماسيون أوروبيون إلى أن التوصل إلى اتفاق، حتى لو كان مؤقتاً، سيستغرق وقتاً طويلاً، وربما أكثر من 18 شهراً، كما حدث في الجولة التمهيدية لاتفاق 2015.

حسابات بكين وموسكو… دعم محدود

الرهان الإيراني على دعم صيني وروسي يفتقر إلى ضمانات. الصين، رغم كونها المشتري الأكبر للنفط الإيراني، تُجري عمليات الشراء عبر آليات ملتفة على العقوبات، وتطالب بتخفيضات كبيرة في الأسعار. ومع تصاعد الحرب التجارية بين بكين وواشنطن، قد تجد الشركات الصينية نفسها في مرمى العقوبات إذا واصلت التعامل مع إيران.

أما روسيا، المنهمكة في حرب أوكرانيا ومعاقبة دولياً، فهي ليست في موقع يؤهلها لحماية إيران من العقوبات الغربية. بل على العكس، هناك مؤشرات على أن موسكو قد تستخدم الورقة الإيرانية كأداة تفاوضية في ملفاتها مع الغرب.

الغرب يلوّح بعودة العقوبات الأممية

في موازاة التصلب الأمريكي، تراقب الدول الأوروبية الوضع بقلق. وبحسب مصادر دبلوماسية، قد تلجأ فرنسا وبريطانيا وألمانيا إلى تفعيل “آلية العودة السريعة” للعقوبات الأممية إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق بحلول أغسطس، وهو ما يهدد بانهيار ما تبقى من الاتفاق النووي الموقع عام 2015. هذا السيناريو من شأنه أن يزيد عزلة طهران، ويجعلها أكثر عرضة لمخاطر اقتصادية وعسكرية متصاعدة.

احتمالات الحرب… والخيار المؤجل

رغم كل التعقيدات، لا يبدو أن أحداً — لا في طهران ولا في واشنطن — يتعجل سيناريو المواجهة العسكرية. المسؤولون الأمريكيون، ومن بينهم ويندي شيرمان، يعتقدون أن الحرب ستكون “كارثة غير ضرورية”، لكنهم يرون أن استمرار الوضع الحالي يقود تلقائياً إلى سيناريوهات أكثر تطرفاً.

في المقابل، تشير مصادر إيرانية إلى أن البلاد ستواصل “التعايش مع العقوبات” ومحاولة بيع النفط في الأسواق الرمادية، لا سيما للصين والهند، في محاولة للبقاء الاقتصادي، إلى أن تتغير الظروف السياسية الدولية.

الطريق المسدود في لحظة مفصلية

إيران تواجه مأزقاً حقيقياً: لا مخرج تفاوضي ميسّر، ولا خطة بديلة يمكن التعويل عليها، ولا دعم دولي مضمون. ومع اقتراب مواعيد حاسمة، مثل تجديد بعض بنود قرار مجلس الأمن المرتبط بالاتفاق النووي، تصبح الخيارات أمام إيران محدودة بشكل خطير.

المعادلة الراهنة تقول إن أي تصعيد من إيران سيقابله رد أكثر قسوة من الغرب، لكن في الوقت ذاته، فإن بقاء الوضع الراهن بلا حلّ ينذر بتآكل الداخل الإيراني، وتضييق الخناق أكثر على الاقتصاد، وتفاقم التهديدات الأمنية. هذا ما يجعل غياب الخطة البديلة في طهران ليس فقط خطأً استراتيجياً، بل مقامرة وجودية.

قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.