شكل تحولات أسواق النفط تحديات للاقتصاد السعودي بفعل انخفاض أسعار النفط العالمية وانخفاض إنتاج النفط السعودي، مما يثير مخاوف بشأن المشاريع الحكومية.
وبحسب مؤسسة “فنك” الأوروبية تمكنت السعودية من تحقيق معدلات نمو مرتفعة وفوائض كبيرة في ميزانيتها العامة خلال العام 2022، بفعل ارتفاع أسعار النفط العالمية وتنامي إنتاجها النفطي.
لكن وعلى العكس تماما، بات العام 2023 يحمل في طياته تحديات وضغوطا متزايدة على الاقتصاد السعودي، بفعل انخفاض أسعار النفط العالمية، بالإضافة إلى انخفاض إنتاج السعودية من النفط.
وفي الوقت الراهن، ثمة تساؤلات جدية حول مستقبل مشاريع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان الهادفة، وخصوصا بعد تراجع إيرادات ميزانية الحكومة السعودية مقارنة بالتوقعات السابقة.
وقد حقق الاقتصاد السعودي نتائج باهرة خلال العام 2022، بعد أن نما بنسبة 8.7% في تلك السنة، وفقا لأرقام الهيئة العامة للإحصاء السعودية.
وجاءت هذه النتائج مدفوعة بنمو الأنشطة النفطية بمعدل 15.4%، بينما اقتصرت نسبة نمو الأنشطة غير النفطية على نحو 5.4% فقط.
وفي النتيجة، عكست نسبة النمو عام 2022 أفضل أداء يحققه الاقتصاد السعودي منذ أكثر من 11 عاما.
وخلال العام 2022 أيضا، كانت مالية الحكومة السعودية العامة تسجل فائضا بقيمة 27.68 مليار دولار أميركي، ما يتجاوز ال2.6% من حجم ناتج البلاد الإجمالي المحلي.
وجاءت هذه النتائج الجيدة بفضل زيادة عوائد الحكومة من بيع النفط خلال تلك السنة بنسبة 31% مقارنة بالسنة السابقة، وهذا ليس كافيا للتعويض عن زيادة النفقات الحكومية بنسبة 12%.
مع الإشارة إلى أن السعودية حققت هذا الفائض لأول مرة منذ أكثر من عقد من الزمن، إذ توالت قبل ذلك العجوزات في ميزانية البلاد العامة منذ العام 2013، وفي كل السنوات من دون استثناء.
لا يمكن فصل كل هذه النتائج الإيجابية عام 2022 عن تطورات أسواق النفط العالمية.
فخلال تلك السنة، بلغ متوسط سعر برميل نفط سلة أوبيك نحو 100.08 دولار أميركي، مقارنة ب69.89 دولارا أميركيا في العام السابق، أي بزيادة سنوية نسبتها 43%.
وكدولة تنتج النفط، كان من المتوقع أن تنعم السعودية بزيادة في إيراداتها الحكومية، وبنمو في نشاط قطاعها النفطي، بالتوازي مع ارتفاع أسعار النفط الذي تبيعه في الأسواق العالمية.
لم تقتصر العوامل المؤاتية للاقتصاد السعودي على ارتفاع أسعار النفط العالمية، بل شملت أيضا تزايد معدلات الإنتاج وفقا للحصص المتفق عليها ضمن تحالف “أوبيك+”.
فخلال العام 2022، ارتفع متوسط إنتاج السعودية من النفط إلى نحو 10.53 مليون برميل يوميا، ما شكل أعلى مستوى من الإنتاج تحققه السعودية منذ بدء استخراجها النفط.
وعلى هذا النحو، كانت السعودية تستفيد من قدرتها على بيع كميات قياسية من النفط، وبأسعار مرتفعة، في الوقت عينه.
وكما هو معلوم، جاء ارتفاع الأسعار في أسواق النفط عام 2022 نتيجة استمرار ارتفاع حجم الطلب العالمي على مصادر الطاقة، مع تنامي معدلات الاستهلاك في مرحلة التعافي من تداعيات تفشي وباء كورونا.
كما جاءت الحرب الأوكرانية وما رافقها من تداعيات على أسواق الطاقة، لتزيد من الارتفاعات السريعة في أسعار النفط والغاز.
أما ارتفاع معدلات الإنتاج السعودي عام 2022، فجاء تماشيا مع قرارات تحالف “أوبيك+” في أغسطس/آب 2022، التي أنهت تخفيضات الإنتاج القياسية المفروضة منذ تفشي وباء كورونا.
وكان التحالف قد قرر في تلك المرحلة زيادة حصص إنتاج كل البلدان الأعضاء، لمواءمة المعروض النفطي مع معدلات الطلب المتزايدة في ذلك الوقت.
نتيجة هذه الزيادات ارتفع الإنتاج النفطي السعودي بأكثر من 171 ألف برميل يوميا، لتكون بذلك الدولة الأكثر استفادة من زيادة حصص الإنتاج في تحالف “أوبيك+”.
وخلال العام 2023، ستختلف الصورة بشكل تام. فبحسب تقديرات صندوق النقد الدولي الأخيرة، من المتوقع أن تعود الميزانية العامة السعودية لتسجل في هذه السنة عجزا بنسبة 1.1% من الناتج المحلي الإجمالي، بدل أن تسجل فائضا كما كان الحال في العام السابق.
وهذه التوقعات المتشائمة، جاءت معاكسة تماما لما كان متوقعا في بداية العام، حين افترضت الحكومة السعودية أن ميزانيتها العامة ستسجل سنة 2023 فائضا تقارب قيمته ال4.3 مليار دولار أميركي.
ولهذا السبب، ستضطر الحكومة السعودية إلى توسيع نطاق اقتراضها من الأسواق المالية، لسد العجز في ميزانيتها العامة، وتمويل النفقات التي تم التخطيط لها في ضوء التوقعات السابقة المتفائلة.
بالنسبة إلى النشاط الاقتصادي ككل، يتوقع صندوق النقد الدولي أن ينخفض النمو الاقتصادي في السعودية عام 2023 إلى 2.1% فقط، أي إلى أقل من ربع النمو الاقتصادي الذي تم تحقيقه عام 2022.
أما حجم احتياطات العملة الأجنبية في المصرف المركزي، فتراجع بالفعل خلال الأشهر الأربعة الأولى من العام 2023 بأكثر من 30 مليار دولار أميركي، مقارنة بحجم الاحتياطات التي تمكن المصرف من مراكمتها خلال العام السابق.
في الواقع، من الواضح أن تراجع أداء الاقتصاد السعودي عام 2023 يرتبط بمجوعة من التحولات القاسية التي تمر بها أسواق النفط العالمية.
ففي شهر مايو/أيار 2023، بلغ متوسط سعر برميل نفط سلة أوبيك حدود ال75.82 دولارا أميركيا، ما يشكل تراجعا بنسبة 33% مقارنة بالفترة المماثلة من العام الماضي.
ولهذا السبب، من الطبيعي أن تنخفض عائدات الحكومة السعودية، وأن يتراجع حجم النشاط الاقتصادي النفطي، بالتوازي مع تراجع مردود بيع النفط.
في الوقت عينه، من المرتقب أن ينخفض متوسط إنتاج السعودية اليومي من النفط الخام إلى نحو 9 ملايين برميل يوميا بحلول شهر يوليو/تموز 2023، ما يشكل تراجعا بنسبة 15% مقارنة بالعام الماضي.
ويأتي هذا التراجع بفعل قرارات تحالف “أوبيك+” القاضية بخفض الإنتاج، بالإضافة إلى قرارات خفض الإنتاج الطوعية التي أعلنت عنها السعودية وروسيا ومجموعة من الدول الأخرى.
وجاءت قرارات خفض الإنتاج هذه كردة فعل على تراجع أسعار النفط العالمية خلال العام 2023، نتيجة اختلال توازنات العرض والطلب في الأسواق.
وهكذا، وبعكس ما جرى خلال العام السابق، تعاني السعودية من تقاطع عامل تراجع الإنتاج النفطي، مع عامل تراجع أسعار النفط العالمية، وهذا ما يؤدي اليوم إلى تراجع ايرادات تصدير النفط مقارنة بالسنة السابقة.
وكانت إيرادات تصدير النفط السعودي قد تراجعت بالفعل بقيمة 11.5 مليار دولار أميركي خلال الربع الأول من العام 2023، مقارنة بالفترة المماثلة من العام السابق.
الرابط المختصر https://gulfnews24.net/?p=63714