في تحول مفاجئ، تسعى روسيا للحفاظ على نفوذها في سوريا بعد سقوط بشار الأسد، الذي دعمته خلال الحرب الأهلية عبر قواعدها العسكرية على الساحل السوري، مما مكنها من توسيع نفوذها في البحر المتوسط وإفريقيا، بحسب ما كشفت صحيفة وول ستريت جورنال الأمريكية.
وذكرت الصحيفة أنه بعد فرار الأسد إلى موسكو، وجدت روسيا نفسها أمام فرصة جديدة لتعزيز وجودها في سوريا، في ظل غموض موقف إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من الأزمة السورية، وهو ما أدى إلى تأخير المساعدات الطارئة للحكومة السورية الجديدة من قبل الحلفاء الإقليميين للولايات المتحدة.
وأشارت الصحيفة إلى أنه في أحد أولى المؤشرات على دفء العلاقات بين الجانبين، قدمت روسيا الشهر الماضي شحنة من العملة السورية بقيمة 23 مليون دولار بأسعار الصرف الرسمية إلى البنك المركزي في دمشق.
وقد تمت طباعة هذه الأموال في روسيا لدعم الاقتصاد السوري الذي يعاني من نقص السيولة، في وقت رفضت فيه معظم الدول الأخرى طباعة العملة خوفًا من العقوبات.
وتزامن هذا مع تراجع قطر والسعودية عن تقديم مساعدات مالية للنظام الجديد، انتظارا لتوضيح واشنطن موقفها بشأن العقوبات المفروضة على هيئة تحرير الشام، الجماعة الإسلامية المسلحة التي تقود الحكومة الجديدة في دمشق.
وبينما لم تعلق الحكومتان السورية والسعودية على الأمر، رفض الكرملين التعليق على هذه التطورات.
وقالت آنا بورشيفسكايا، الباحثة في معهد واشنطن، إن “ميزة روسيا في التفاوض مع سوريا تكمن في عدم تقيدها بأي اعتبارات أخلاقية، مما يسمح لها باتخاذ قرارات بسرعة ودون الحاجة إلى توافق دولي”. وأكدت أن “السؤال الأهم هو كيف ستتعامل الدول الغربية مع سوريا لتقليل حاجتها إلى الاعتماد على روسيا”.
وبحسب الصحيفة فإن الجائزة الكبرى لروسيا تتمثل في الحفاظ على قواعدها العسكرية في سوريا، مما يمنحها عمقًا استراتيجيًا مهمًا، خاصة مع تصاعد الضغوط عليها في أوكرانيا.
وامتدت المفاوضات بين الطرفين إلى ملفات اقتصادية وسياسية واسعة، شملت مليارات الدولارات من الاستثمارات في حقول الغاز والموانئ، ومطالب سورية باعتذار روسي عن قصف المدنيين، إضافة إلى طلب تسليم الأسد، وهو ما رفضته موسكو.
وبدأت المحادثات عندما زار نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف، والمبعوث الروسي لسوريا ألكسندر لافرنتييف، دمشق في يناير الماضي للتفاوض حول مستقبل القواعد العسكرية الروسية في حميميم وطرطوس. وسرعان ما توسعت النقاشات لتشمل قضايا اقتصادية أخرى.
وتوطدت العلاقة بين الجانبين بعد أول مكالمة هاتفية بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس السوري الجديد أحمد الشراع، حيث ناقشا التعاون السياسي والاقتصادي، بما في ذلك استعداد روسيا “لتحسين الوضع الاقتصادي والاجتماعي في سوريا”، وفقًا لبيان الكرملين.
في المقابل، تحاول الحكومة السورية الجديدة تنويع علاقاتها الدولية، وعدم الاعتماد فقط على تركيا، التي كانت الداعم الرئيسي لهيئة تحرير الشام.
وقد زار رجال أعمال ومسؤولون أتراك دمشق بعد سقوط الأسد بأيام، كما نشرت أنقرة قواتها في مناطق شمال سوريا.
وسعت الحكومة السورية إلى تأطير مفاوضاتها مع روسيا كجزء من محاولة لتعويض الأضرار التي تسببت فيها الغارات الروسية خلال دعمها لنظام الأسد.
وطالب المفاوضون السوريون بإعادة الأموال التي حولها النظام السابق إلى روسيا، والتي تقدر بحوالي 250 مليون دولار أرسلها البنك المركزي السوري إلى أحد البنوك الروسية بين عامي 2018 و2019.
كما اشترت عائلة الأسد عقارات بقيمة 40 مليون دولار في أبراج فاخرة في روسيا، وفقًا لتقرير صدر عام 2019 عن منظمة “غلوبال ويتنس” المعنية بمكافحة الفساد.
وبعد مكالمة بوتين مع الشراع، أعلنت الرئاسة السورية أن بوتين دعا وزير الخارجية السوري إلى موسكو، وأنه مستعد لمراجعة الاتفاقات الاقتصادية التي وقعتها روسيا مع نظام الأسد، وهو مطلب رئيسي للحكومة السورية الجديدة.
وتشمل هذه الاتفاقات مشروع توسعة ميناء طرطوس، واستثمارات في حقول الغاز والفوسفات في تدمر، بالإضافة إلى بناء مصنع للأسمدة في حمص.
وأدت هذه التطورات إلى إعادة إحياء الطموحات الاقتصادية الروسية في سوريا، بعد أن كان الأسد شريكًا مخيبًا للآمال لموسكو.
قبل سقوط الأسد، حاولت إسرائيل التوسط مع إدارة ترامب للسماح لروسيا بالاستثمار بحرية في سوريا مقابل إبعاد إيران عن المشهد. لكن إدارة ترامب رفضت، ما دفع موسكو إلى التخلي عن الأسد، وفقًا لمصادر مطلعة.
الرابط المختصر https://gulfnews24.net/?p=70820