ردت القوات الحكومية السورية على سلسلة من الاشتباكات والكمائن التي شنها أنصار نظام الأسد المخلوع، في أكبر تحدٍ عسكري داخلي للمجموعة المتمردة السابقة التي تحاول الحفاظ على تماسك البلاد رغم محدودية القوى البشرية.
وشنت قوات الأمن الحكومية “عملية تمشيط واسعة” على طول الساحل السوري المطل على البحر المتوسط، وهو معقل الطائفة العلوية التي ينتمي إليها آل الأسد، وذلك بعد أن شن مسلحون موالون للنظام القديم كمائن دامية ضد قوات الأمن في مدينة جبلة، وفقًا لوكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا).
ووصفت الوكالة المعارك بين القوات الحكومية التي استخدمت الطائرات المسيّرة والمسلحين في جبلة والمناطق المحيطة بها خلال الليل بأنها من أعنف الاشتباكات منذ أن أطاحت قوات الحكومة الجديدة ببشار الأسد في أوائل ديسمبر، منهيةً أكثر من عقد من الحرب الأهلية التي لجأ فيها الرئيس السابق إلى التعذيب والإعدامات والهجمات الكيميائية لمحاولة قمع انتفاضة شعبه.
وقد أشعلت الاشتباكات التوترات في أنحاء سوريا، حيث خرجت حشود من أنصار الحكومة إلى الشوارع في مدن مثل حماة وحمص دعماً للعملية الأمنية.
وأضافت هذه التطورات إلى سلسلة متزايدة من التحديات السياسية والأمنية التي تواجه الحكومة الجديدة برئاسة القائد السابق للتمرد أحمد الشرع، والذي يخوض أيضًا مفاوضات مع الميليشيات التي يقودها الأكراد وتسيطر على أجزاء واسعة من شمال شرق سوريا، إلى جانب تعامله مع مطلب إسرائيلي—مدعوم بضربات عسكرية—بضرورة نزع السلاح في جنوب البلاد.
ووصلت تعزيزات صباح الجمعة، حيث أظهرت صور نشرتها سانا قوافل من المسلحين يستقلون شاحنات صغيرة متجهين إلى مدينة طرطوس.
وقال المقدم مصطفى كنفاتي، رئيس إدارة الأمن العام في محافظة اللاذقية السورية: “لقد قمنا بتعبئة قواتنا بالكامل في المحافظة، وتمكنا من احتواء هجومهم في ريف جبلة”.
وأعلن العميد السابق في قوات الأسد، غياث سليمان دلة، أنه مع عدد من القادة العسكريين السابقين قد أنشؤوا “المجلس العسكري لتحرير سوريا”، والذي قال إنه يهدف إلى تحرير “كامل الأراضي السورية من جميع القوات المحتلة والإرهابية” في مؤشر على مخاطر اندلاع اضطرابات أوسع.
وكان دلة قد تعرض لعقوبات أميركية عام 2020 بسبب قيادته للقوات السورية خلال هجمات عشوائية على المدنيين، بما في ذلك هجمات كيميائية.
وتواجه قوات الشرع، التي بلغ عددها نحو 25 ألف مقاتل عندما ساعد المتمردون الإسلاميون السنّة في الإطاحة بالأسد العام الماضي، تحديًا كبيرًا في تأمين بلد يبلغ عدد سكانه حوالي 24 مليون نسمة.
وتجد حكومته نفسها أمام معضلة تتمثل في ضرورة قمع القوات الموالية للأسد بحزم لمنع تحولها إلى تمرد واسع، دون أن يؤدي ذلك إلى نفور العلويين الذين يشعرون بالقلق بشأن مستقبلهم، لا سيما بعد سلسلة من الهجمات التي استهدفت مجتمعهم على يد جهات مجهولة.
ودأب الشرع على نشر خطاب المصالحة منذ سقوط الأسد، وفتحت حكومته تحقيقات في الهجمات التي استهدفت العلويين، الذين يخشون من انتقام طائفي بعد نصف قرن من حكم عائلة الأسد.
ورغم أن العلويين يشكلون حوالي 10% من سكان سوريا، وكان بعضهم يحتل مناصب متميزة في نظام الأسد، إلا أنهم أيضاً عانوا من سياسات القمع التي اعتمدها النظام لتأجيج الانقسامات، بل إن كثيرين منهم عارضوه.
وتأتي هذه الاشتباكات بعد شهور من الاستقرار النسبي في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة الجديدة، بعد سنوات من الحرب والصراع الأهلي ضد نظام الأسد.
ومن المرجح أن ترهق العملية الأمنية الحالية قوات الحكومة الجديدة، خاصة بعد قرار الشرع حل الجيش والأجهزة الأمنية التابعة للنظام القديم، في محاولة لدمج فصائل المعارضة في جيش جديد.
وألقت القوات الأمنية خلال العملية القبض على إبراهيم حويجة، الرئيس السابق للاستخبارات الجوية، التي كانت واحدة من أكثر الأجهزة الأمنية ولاءً وعنفًا في عهد الأسد، ولها سجل طويل وموثق في استخدام التعذيب والإخفاء القسري ضد معارضي النظام، وفقًا لما نقلته وكالة سانا.
الرابط المختصر https://gulfnews24.net/?p=70830