وساطة قطرية تقود لإنجاز دبلوماسي نادر في أفريقيا بين الكونغو ورواندا

في خطوة دبلوماسية نادرة، تم التوصل إلى “إعلان مبادئ” بين جمهورية الكونغو الديمقراطية ورواندا في أبريل الماضي، ما قد يسهم في إنهاء نزاع دام لثلاثة عقود وأودى بحياة أكثر من 6 ملايين شخص.

والاتفاق، الذي جاء بعد جهود وساطة متعددة الأطراف، يُعد خطوة هامة نحو إحلال السلام في منطقة شهدت العديد من محاولات التوصل إلى هدنة فاشلة في السابق.

على الرغم من أهمية هذا الإنجاز، مرّ الخبر دون أن يحظى بتغطية إعلامية واسعة، خاصة في ظل حالة الاضطراب السياسي التي تعيشها واشنطن. فقد تم التوصل إلى الاتفاق بفضل جهود هادئة من قبل مجموعة من المسؤولين الأمريكيين، بمن فيهم أعضاء من الحزبين، ومسؤولين استخباراتيين من إدارة بايدن، بالإضافة إلى دور بارز لوسيط قطري، ومسعد بولو، والد زوج تيفاني ترامب، الذي لعب دورًا أساسيًا في الدفع نحو الحل.

النزاع المستمر وتأثيره الإنساني

النزاع بين الكونغو ورواندا بدأ في أعقاب إبادة جماعية شهدتها رواندا عام 1994، حيث فر قادة الهوتو إلى الكونغو، ما أدى إلى اندلاع سلسلة من النزاعات العسكرية والمجازر المستمرة في المنطقة. في السنوات الماضية، كانت مليشيا M23 المدعومة من رواندا قد دأبت على مهاجمة القوات الكونغولية، مما أدى إلى تفاقم الأزمة الإنسانية في المنطقة.

والوساطة الأمريكية كانت فاعلة منذ بداية الجهود الرامية إلى تسوية النزاع. فقد أعلن وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو في 25 أبريل عن توقيع “إعلان المبادئ”، مشيرًا إلى أن هذا الاتفاق يُعتبر “مكسبًا للجميع”.

وقد لعب السيناتور كريس كونز دورًا مهمًا في تحفيز اهتمام الإدارة الأمريكية بمواصلة السعي وراء الحلول الدبلوماسية، بعد أن عُرفت هذه الجهود بأنها انتقلت من إدارة بايدن إلى إدارة ترامب بسلاسة.

اهتمام اقتصادي أمريكي بالدور المحوري للكونغو

فيما يتعلق بالحوافز الاقتصادية، فقد تمثل الدافع الأمريكي في الاهتمام بمعادن الكونغو الاستراتيجية مثل الكوبالت والليثيوم والنحاس، والتي تعد حيوية لصناعات التكنولوجيا والطاقة المتجددة.

تشير التقارير إلى أن الإدارة الأمريكية كانت تأمل في الاستفادة من هذه المعادن، حيث يمكن أن تدفع اتفاقية السلام القادمة إلى استثمارات أمريكية ضخمة في استخراج هذه الموارد ومعالجتها في رواندا.

وساطة قطرية وتنظيم لقاءات حاسمة

دخلت قطر على الخط لتلعب دورًا محوريًا في عملية الوساطة. فقد كانت العلاقات القطرية مع رواندا قد شهدت تطورًا كبيرًا في السنوات الماضية، ما جعلها شريكًا فاعلًا في هذا السياق.

وفقًا لمسؤولين قطريين، فقد طلبت الكونغو في 2022 من قطر التدخل، وهو ما حدث لاحقًا في مارس 2023 عندما استضاف الأمير تميم بن حمد آل ثاني اجتماعًا جمع بين الرئيسين الكونغولي فيليكس تشيسيكيدي والرواندي بول كاغامي في الدوحة.

في 1 أبريل 2023، عين الرئيس ترامب مسعد بولو مستشارًا كبيرًا له لشؤون أفريقيا، ما عزز الجهود الأمريكية في المنطقة. وبعد أسابيع قليلة، توصل وزراء خارجية رواندا والكونغو إلى توقيع “إعلان المبادئ” في واشنطن، مما أثار آمالًا جديدة في إمكانية تحقيق السلام في المنطقة.

ورغم أن مثل هذه الاتفاقات لا تزال في مرحلة أولية، إلا أن هناك فرصة حقيقية لحل واحدة من أكبر الأزمات الإنسانية في العالم.

وتعكس هذه الوساطة كيف يمكن للدبلوماسية أن تمزج بين الأبعاد الأمنية والاقتصادية لتحقيق نتائج إيجابية. يمكن لهذا النموذج أن يكون مثالًا يحتذى به في نزاعات أخرى حول العالم، بما في ذلك الحرب في أوكرانيا، حيث قد تلعب دول مثل قطر أو السعودية دور الوساطة في حل النزاعات الدولية الكبرى.

والتوصل إلى “إعلان المبادئ” بين الكونغو ورواندا يعد إنجازًا دبلوماسيًا غير مسبوق يعكس قوة الوساطة المتعددة الأطراف، خصوصًا تلك التي تشمل اللاعبين الإقليميين والدوليين. ورغم أن الطريق نحو السلام في المنطقة لا يزال طويلاً، فإن هذا الاتفاق يمثل خطوة هامة نحو استقرار الأوضاع في شرق أفريقيا وإنهاء واحدة من أكثر الأزمات دموية في العصر الحديث.

قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.