واشنطن بوست: السعودية تعِد ترمب بوعود مالية هائلة رغم نقص السيولة

كشفت صحيفة واشنطن بوست الأميركية أن المملكة العربية السعودية ودولاً خليجية أخرى قدّمت وعودًا استثمارية هائلة خلال جولة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب في المنطقة، رغم عدم توفر السيولة اللازمة لتنفيذ هذه الالتزامات، واعتماد عدد كبير من “الصفقات” على أرقام مضخمة أو اتفاقات أُعلن عنها سابقًا.

وصف البيت الأبيض خلال الجولة ترمب بأنه “صانع الصفقات الأول”، زاعمًا أنه حصل على التزامات استثمارية تتجاوز تريليوني دولار من دول الشرق الأوسط. لكن واشنطن بوست تؤكد، في مراجعة مفصلة لتلك الإعلانات، أن جزءًا كبيرًا منها إما سبق فترة ترمب، أو يعتمد على تقديرات غير واقعية، أو لا يمثل التزامات مالية فعلية.

صفقات “قديمة” يعاد تسويقها
مع كل محطة لطائرة “إير فورس وان” في السعودية وقطر والإمارات، أصدرت إدارة ترمب بيانات متتالية تتحدث عن عشرات الصفقات الجديدة. لكن الصحيفة تبيّن أن ما لا يقل عن ست صفقات رئيسية أُعلن عنها كانت قد وُقعت قبل تولي ترمب الرئاسة في يناير.

في قطر مثلاً، أعلنت الإدارة عن مشاريع بقيمة 8.5 مليار دولار تشمل شركة “ماكديرموت” للطاقة، رغم أن الشركة كانت قد أعلنت عن تلك العقود خلال رئاسة جو بايدن في عامي 2023 و2024.

أما في أبو ظبي، فقد تحدث البيت الأبيض عن صفقات بقيمة 200 مليار دولار، تضمنت صفقة حوسبة سحابية بين “أمازون” وشركة “اتصالات” الإماراتية. لكن أمازون كانت قد أعلنت عن هذه الشراكة في أكتوبر الماضي، وأكدت التزامًا مالياً لا يتجاوز مليار دولار على مدى ست سنوات. أما الرقم الضخم البالغ 181 مليار دولار فجاء من دراسة برعاية أمازون نفسها، تقدّر الأثر الاقتصادي للحوسبة السحابية على الناتج المحلي، وليس من استثمار مباشر فعلي.

السعودية وتضخيم الأرقام
في الرياض، أعلن ترمب أن السعودية ستستثمر 600 مليار دولار في الولايات المتحدة، ملمّحًا إلى إمكانية بلوغ الاستثمارات التريليون دولار. لكن المراجعة تظهر أن الصفقات المعلنة لا تتجاوز 300 مليار دولار، كثير منها يعود لإعلانات قديمة، من بينها مشاريع تطوير مطار الملك سلمان الدولي.

وقالت الصحيفة إن المسؤولين في الديوان الملكي السعودي طلبوا من رجال أعمال سعوديين تجميع أرقام استثماراتهم السابقة في الولايات المتحدة، بهدف إدراجها ضمن الصفقات المعلنة خلال زيارة ترمب. وعلّق أحد رجال الأعمال المطلعين على هذه التحركات قائلاً: “كان المطلوب تجميع أي أرقام — عقارات، أسهم، سندات — لإظهار رقم كبير أثناء الزيارة”.

تضليل متعمد؟
وتشير الصحيفة إلى أن البيت الأبيض لم يوضح سبب احتسابه لصفقات تمت في عهد إدارات سابقة ضمن إنجازات ترمب. كما لجأ إلى تعريف واسع لمفهوم “الاستثمار الأجنبي”، إذ شمل ضمنه صفقات أسلحة تم توقيع بعضها في عهد بايدن. فمثلاً، صفقة بيع نظام دفاعي لقطر بقيمة مليار دولار كانت قد أُعلن عنها للكونغرس في عام 2022، ومع ذلك قدمها البيت الأبيض كاتفاق جديد.

وفيما يخص صفقة بيع طائرات مسيّرة لقطر بقيمة 2 مليار دولار، فقد أكد مساعد في الكونغرس أنها “قيد الإعداد منذ سنوات”، وقد أُخطر بها الكونغرس في مارس، أي قبل الزيارة الأخيرة لترمب.

وعود تتجاوز القدرة
تشير الصحيفة إلى أن المسؤولين السعوديين أنفسهم أقروا بعدم قدرتهم على الوفاء بجميع الوعود المعلنة، حتى على مدى عقد من الزمن، بسبب محدودية السيولة. وقال مصدر مطلع على أوضاع الخزينة السعودية إن المملكة قد لا تتمكن من تمويل حتى نصف هذه المشاريع، وقد تلجأ إلى الاقتراض لتغطية التزاماتها.

وحذّر تيم كالين، الزميل في معهد دول الخليج العربي، من أن “قائمة المطالب على ميزانية السعودية تتزايد، في وقت تنخفض فيه إيرادات النفط المتوقعة هذا العام”.

تكرار لخطاب 2017
ويرى خبراء أن الخطاب الإعلامي المحيط بجولة ترمب الأخيرة يكرر ما حدث في زيارته الشهيرة إلى الرياض عام 2017، عندما تحدث عن صفقة بقيمة 450 مليار دولار، تبيّن لاحقًا أنها تضمنت وعوداً لم تتحقق.

وقال الباحث حسين إبيش إن ترمب “جمع قائمة من الصفقات الحقيقية، والوعود الطموحة، والصفقات الوهمية، وصفقات سبق أن أبرمها أوباما أو بايدن، ثم نسبها لنفسه”. وأضاف: “الفرق الآن أنه يكرر العملية ثلاث مرات”.

تختتم الصحيفة تقريرها بملاحظة حول الأسلوب الذي تتبعه دول الخليج، وعلى رأسها السعودية، في التعامل مع زيارات ترمب: استعراض ضخم، ووعود بمئات المليارات، تغلف واقعًا ماليًا أكثر تواضعًا. وعلقت كارين يونغ، الزميلة في معهد الشرق الأوسط، بالقول: “الأمر يشبه تغليف المنطقة بشريط جميل… إنها علبة كبيرة لكن قد يكون داخلها هدية صغيرة”.

قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.