واشنطن بوست: استراتيجية ترامب تقوم على توازن جديد للقوى بثلاثة أقطاب

قالت صحيفة واشنطن بوست الأمريكية إن الرئيس الأمريكي دونالد يستخدم “كرة الهدم” ضد النسخة القديمة من السياسة الخارجية الأمريكية عبر تصور توازناً جديداً للقوى بثلاثة أقطاب: الولايات المتحدة وروسيا والصين.

وأبرزت الصحيفة أنه غالبًا ما يتم التعبير عن فكرة أمريكا كأمة استثنائية من خلال العبارة الشهيرة: “مدينة مشرقة على تل”. لكن الناس ينسون كيف استخدم جون وينثروب هذا الوصف لأول مرة عام 1630 عندما خاطب ركاب سفينته من الحجاج أثناء إبحارهم نحو العالم الجديد: “سنكون كمدينة على تل، وكل أعين الناس علينا”.

من المؤكد أن أعين العالم اليوم على أمريكا، لكن العديد من المراقبين الأجانب يصفون مدينة كانت لامعة ذات يوم، وتبدو وكأنها تغرق في الظلام. إنهم يرون الرئيس دونالد ترامب وهو يحوّل السياسة الخارجية الأمريكية وصورتها في الخارج.

فبدلاً من الأممية الغامضة ولكن محل الإعجاب عالميًا، يحتفي ترامب بالقيم الضيقة والتعاملات الصفقاتية التي يتبعها رجل أعمال في مجال العقارات. إنه يتصرف كما لو أن الكرم سذاجة، وفي عالمه، تهيمن الدول القوية حتمًا على الضعيفة، والقوة تفرض الحق.

والسؤال الكبير هو: بينما يستخدم ترامب كرة الهدم ضد النسخة القديمة من السياسة الخارجية الأمريكية، ما الذي ينوي بناءه بدلاً منها؟

مسيرته المهنية تظهر أدلة قليلة على التفكير الاستراتيجي. فقد كان مخرّبًا وصانع صفقات أكثر من كونه بانيًا. وكانت ولايته الأولى تتسم بتغييرات مستمرة في الأشخاص والسياسات، مع إنجازات دائمة قليلة.

وبحسب الصحيفة فإن أفضل تقييم لرؤية ترامب الاستراتيجية، كما رأيتها، جاء من أليكس يونغر، الرئيس السابق لجهاز الاستخبارات البريطاني “إم آي 6”. حيث قال في مقابلة على برنامج “نيوزنايت” التابع لهيئة الإذاعة البريطانية بتاريخ 21 فبراير، إننا “في عصر جديد، حيث العلاقات الدولية لن تُحدد إلى حد بعيد بالقوانين والمؤسسات متعددة الأطراف، بل سيحددها الأقوياء والصفقات”.

وقد شبه يونغر دبلوماسية ترامب القسرية بمؤتمر يالطا عام 1945، حيث قسّم قادة الحرب الرئيسيون – الرئيس فرانكلين روزفلت، وزعيم الاتحاد السوفيتي جوزيف ستالين، ورئيس الوزراء البريطاني وينستون تشرشل – أوروبا دون أي اعتبار لرغبات الدول الصغيرة.

وقال: “ذلك هو العالم الذي نحن في طريقنا إليه، ولأسباب عديدة، لا أعتقد أننا سنعود إلى العالم الذي كان لدينا من قبل”.

والمثال الواضح على هذا الفكر الجديد المشابه ليالطا هو الطريقة التي أدار بها ترامب المرحلة التمهيدية من مفاوضات السلام في أوكرانيا.

فقد ضغط على الرئيس الأوكراني الضعيف فولوديمير زيلينسكي قائلاً: “ليس لديك الأوراق”، ليجبره على تلبية ما يعتبره مصالح اللاعبين الأقوياء: الولايات المتحدة وروسيا. وأثناء سعيه لهذا الاتفاق، يعلن أيضًا أن “الصين يمكن أن تساعد”.

ويبدو أن ترامب يتصور توازناً جديدًا للقوى بثلاثة أقطاب: الولايات المتحدة، وروسيا، والصين، التي يرى قادتها كأرواح متشابهة. أما بقية العالم، بما في ذلك أقدم حلفاء الولايات المتحدة، فعليهم أن يدبروا أمورهم بأنفسهم.

الرد الغاضب من السيناتور الفرنسي كلود مالوريه في خطاب الأسبوع الماضي تناقلته وسائل الإعلام حول العالم: “رسالة ترامب هي أن التحالف معه لا فائدة منه، لأنه لن يدافع عنك، وسيفرض عليك تعريفات جمركية أكثر مما يفرضها على أعدائه، وسيتوعد بمصادرة أراضيك، بينما يدعم الدكتاتوريين الذين يغزونك”.

العالم لا يملك صوتًا في السياسة الأمريكية، لكنه يحمل آراء قوية. فقد أظهر استطلاع أوروبي صدر هذا الشهر أن النظرة الإيجابية تجاه الولايات المتحدة تراجعت بشدة في بريطانيا والدنمارك وفرنسا وألمانيا وإيطاليا وإسبانيا والسويد، حيث انخفضت بنسبة 20 نقطة أو أكثر في بعض تلك الدول.

وفي كندا، فقط شخص واحد من بين كل ثلاثة أشخاص لديه رأي إيجابي عن أمريكا ترامب. كما وجد استطلاع في ديسمبر أن 63% من اليابانيين يشعرون بالقلق من إدارة ترامب الثانية.

وما أذهل العالم هو مدى سرعة ترامب في قلب الالتزامات الأمريكية الطويلة الأمد. فقد تفاخر وزير الخارجية ماركو روبيو يوم الاثنين بأنه قام بقطع 83% من برامج المعونة الأمريكية (USAID).

كما خفض ترامب الدعم العسكري والاستخباراتي لأوكرانيا للضغط من أجل تنازلات. وأزال معارضة الولايات المتحدة لروسيا بوتين بسرعة جعلت متحدثًا باسم الكرملين يقول: “الإدارة الجديدة تغير جميع ترتيبات السياسة الخارجية بسرعة. هذا يتماشى إلى حد كبير مع رؤيتنا”.

وحذرت واشنطن بوست من أن ترامب قد يرتكب خطأً كبيرًا باستخفافه بأوروبا، التي يبدو أنها بدأت تجد صوتها بعد عقود من السير خلف واشنطن.

كما أن استراتيجية ترامب الاقتصادية العالمية أوضح من أهدافه في السياسة الخارجية، لكنها لا تقل زعزعة للاستقرار. فهو يقترح إعادة الحواجز الجمركية التي أقيمت أواخر القرن التاسع عشر، عندما كانت الولايات المتحدة تحاول بناء صناعاتها التحويلية ضد المنافسة الأوروبية.

قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.