مودرن دبلوماسي: التقارب السعودي الإيراني يعيد تشكيل أسواق النفط العالمية

قبل الثورة الإيرانية عام 1979، حافظت إيران والسعودية على علاقات ودية نسبيًا، استنادًا إلى المصالح الاستراتيجية المشتركة، والتعاون الإقليمي، والانحياز إلى الغرب. لكن بعد الثورة، تدهورت العلاقات، حيث أسس آية الله الخميني دولة ثيوقراطية شيعية في إيران، وهاجم النظام السعودي واعتبره فاسدًا، متوعدًا بتصدير مبادئ الثورة إلى المنطقة.

تفاقمت التوترات في الثمانينيات خلال الحرب الإيرانية العراقية، حيث دعمت السعودية العراق ضد إيران، وتصاعدت بعد مهاجمة إيران لناقلات النفط السعودية عام 1984، واقتحام متظاهرين إيرانيين السفارة السعودية في طهران عام 1987، مما أدى إلى مقتل دبلوماسي سعودي، وقطع العلاقات الدبلوماسية عام 1988.

في التسعينيات، توسط العراق لإعادة العلاقات، مما أدى إلى توقيع اتفاقية تعاون عامة واتفاقية أمنية في 1998 و2001 على التوالي. لكن العلاقات تدهورت مجددًا عام 2016 بعد إعدام السعودية للشيخ نمر النمر، ما أشعل احتجاجات وهجمات على البعثات الدبلوماسية السعودية في إيران.

خلال هذه الفترة، تصاعدت المواجهة عبر الحروب بالوكالة، خاصة في اليمن، حيث دعمت السعودية الحكومة اليمنية، بينما دعمت إيران الحوثيين.
لكن في مارس 2023، وبوساطة صينية، تم التوصل إلى اتفاق لاستعادة العلاقات الدبلوماسية بعد أربعة أيام من المحادثات في بكين.

وفي 10 مارس 2023، وبعد سبع سنوات من القطيعة، نجحت الصين في التوسط بين السعودية وإيران لاستعادة العلاقات. أعادت الدولتان فتح سفارتيهما بحلول أغسطس 2023، واستؤنفت الرحلات الجوية، وتبادلت إيران تصدير الصلب إلى السعودية، كما زار الرئيس الإيراني الراحل إبراهيم رئيسي السعودية لحضور قمة غزة.

تم أيضًا إحياء الاتفاقيات الأمنية والتجارية، واتفق الطرفان على احترام السيادة وعدم التدخل في الشؤون الداخلية. وفي ظل استمرار العدوان الإسرائيلي على غزة، أجرت السعودية وإيران تدريبات بحرية مشتركة في بحر عمان، وزار رئيس أركان الجيش السعودي إيران لبحث قضايا الأمن الإقليمي، بعد فوز دونالد ترامب بالانتخابات واستمرار العدوان الإسرائيلي على غزة.

وقد عززت الصين مكانتها في الشرق الأوسط باعتبارها قوة موازية للولايات المتحدة، خصوصًا بعد انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي الإيراني، وانسحابها من أفغانستان والعراق، وتوتر علاقاتها مع السعودية. استفادت بكين من الفراغ، فأعادت العلاقات السعودية الإيرانية، وضمنت مصالحها كونهما من أكبر موردي النفط لها.

تداعيات التقارب السعودي الإيراني على سوق النفط والـOPEC

رغم العقوبات، لا تزال إيران عضوًا مؤسسًا في أوبك، لكنها تفتقد لنفوذ السعودية، أكبر مصدر للنفط في العالم، والتي تقود قرارات أوبك. ففي 2016، عندما رفعت العقوبات عن إيران، وأرادت زيادة إنتاجها لتعويض سنوات العزلة، أصرت السعودية على تجميد الإنتاج لتحقيق استقرار الأسعار بعد انهيارها إلى 30 دولارًا للبرميل.

تأثرت دول مثل العراق والكويت والإمارات بهذه التوترات، إذ سعت السعودية وإيران للهيمنة على سياسات الإنتاج في أوبك. ومع التقارب، يتوقع تغير ديناميكيات أوبك، خاصة بعد تقليص صادرات روسيا نتيجة الحرب في أوكرانيا، ما قد يدفع السعودية وإيران للاتفاق حول مستويات الإنتاج، مما يزيد من تأثيرهما الجماعي على الأسعار العالمية.

ومع سعي السعودية لتنويع اقتصادها ضمن رؤية 2030، يمكن لإيران أن تكون عامل توازن لأي تخفيضات سعودية مستقبلية في الإنتاج. إذ تمتلك السعودية وإيران معًا 37% من احتياطي النفط العالمي، ويمكن أن يعزز التعاون بينهما الاستثمارات في البنية التحتية الإيرانية التي تحتاج إلى أكثر من 100 مليار دولار.

كما سيسمح هذا التقارب لباقي دول الخليج مثل الإمارات وعمان وقطر والكويت بإعادة النظر في علاقاتها مع إيران، مما يفتح الباب لمشاريع مشتركة في الحقول النفطية وتطوير البنية التحتية.

مكاسب الصين من التقارب

تحصل الصين على 40% من وارداتها النفطية من الخليج. تستورد الصين 90% من النفط الإيراني عبر تجارة المقايضة أو عبر دول ثالثة مثل ماليزيا، حيث يعاد تصدير النفط الإيراني عبر مصافي مستقلة. كما تعد السعودية ثاني أكبر مورد نفطي للصين بعد روسيا، وزادت صادراتها للصين بمعدل سنوي قدره 11.4% خلال السنوات الخمس الماضية.

يعني استقرار العلاقات بين السعودية وإيران استقرارًا في تدفقات النفط إلى الصين، مما يعزز أمنها الطاقي. استثمرت الصين نحو 273 مليار دولار في قطاع الطاقة في المنطقة بين 2005 و2022، ومع التقارب، يمكنها دعم مشاريع البنية التحتية في السعودية وإيران، مع إدماج دول الخليج الأخرى.

قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.