من يُحاسب أمراء التعذيب في البحرين؟ ومتى ستشمل مؤسسات الدولة إصلاحات عميقة؟

إن أي عملية إصلاح نحو الديمقراطية في أي دولة يجب أن تشمل إصلاحات عميقة في مؤسسات الدولة، خاصةً في الأجهزة الأمنية والقضائية، مع ضمان أن تكون تلك الإصلاحات شفافة وصارمة وتستند إلى آلية محاسبة قانونية واضحة تضمن حقوق الأفراد بشكل متساوٍ.

إلا أن هذا الطريق لم يُسلك بعد في البحرين، فبعد مرور أكثر من عقد على بداية الحراك الشعبي في 2011، تبقى الإصلاحات الحقيقية بعيدة المنال، بينما يظل القضاء خاضعًا للسلطة التنفيذية، والفساد والانتهاكات مستشريين، الأمر الذي أدى إلى خلق بيئة من الإفلات من العقاب وحماية مرتكبي الانتهاكات، بل وتوجيه القانون ضد المواطنين بدلًا من حمايتهم.

واحدة من أبرز الانتهاكات المستمرة في البحرين هي التعذيب، الذي استهدف العديد من المواطنين بسبب معارضتهم للنظام، فقد وثقت العديد من التقارير الدولية، بما فيها تقارير من الأمم المتحدة، رسائل عاجلة وآراء من خبراء حول الانتهاكات المستمرة في البحرين، مع دعوتهم لإيقاف التعذيب فورًا وقبول زيارة المقرّر الأممي الخاص بالتعذيب، وعلى الرغم من هذه الدعوات، بقي مرتكبو التعذيب بعيدين عن المحاسبة.

الحكومة البحرينية، وعلى الرغم من محاولاتها المتكررة في تقديم صورة إصلاحية، كإطلاق سراح بعض السجناء السياسيين أو تبني سياسات العفو، لم تغير شيئًا جوهريًا، بل على العكس، استمرت في قمع الأصوات المعارضة وحماية المسؤولين عن انتهاكات حقوق الإنسان، في مقدمتهم أمراء التعذيب في البحرين.

ومنذ عام 2011، كانت السلطات البحرينية مسؤولة عن قمع الاحتجاجات السلمية التي خرجت للمطالبة بالديمقراطية، حيث شاركت عدة أجهزة في قمع المتظاهرين، بما في ذلك الحرس الوطني، وقوة دفاع البحرين، ووزارة الداخلية، وجهاز الأمن الوطني. هذه الأجهزة ارتكبت انتهاكات صارخة لحقوق الإنسان، بما في ذلك الاعتقال التعسفي، القمع باستخدام القوة المفرطة، والتعذيب.

ورغم هذه الانتهاكات العديدة، لم يتم محاسبة المسؤولين عنها، بل إن بعضهم مثل ناصر بن حمد آل خليفة، نجل الملك البحريني، ووزير الداخلية راشد بن عبدالله آل خليفة، متورطون بشكل مباشر في تلك الانتهاكات، لكنهم لا يزالون يشغلون مناصبهم في السلطة، ولم تتخذ السلطات البحرينية أي خطوات جادة لمحاسبتهم.

وفي البحرين، يُعتبر ناصر بن حمد آل خليفة، نجل ملك البحرين، أحد أبرز أمراء التعذيب الذين لا يتم محاسبتهم، فهو يشغل العديد من المناصب الرفيعة مثل مستشار الأمن الوطني وقائد الحرس الملكي، وقد استُخدم منصبه ونفوذه بشكل متكرر لتنفيذ انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان.

كما رفع العديد من الضحايا شكاوى ضد ناصر بن حمد في محاكم دولية مثل فرنسا وبريطانيا، إلا أن هذه الشكاوى لم تؤدي إلى اتخاذ أي إجراءات قانونية ضده.

وخلال التظاهرات التي حدثت في البحرين عام 2011، تم توثيق العديد من حالات التعذيب على يد ناصر بن حمد، حيث تعرض العديد من السجناء السياسيين لإساءات جسدية ونفسية، ومن بين هؤلاء كان الشيخ عبد الله عيسى المحروس، الذي تعرض للضرب والإهانة على يد ناصر بن حمد.

أيضًا، يشير العديد من التقارير إلى تورط خالد بن حمد آل خليفة، شقيق ناصر، في عمليات تعذيب شملت ضرب المعتقلين وإهانتهم، سواء على الحواجز الأمنية أو أثناء الاحتجاز.

وتستمر سياسة الإفلات من العقاب بفضل دور وزارة الداخلية البحرينية التي تحتفظ بسلطة واسعة في معاقبة المعارضين السياسيين، وعلى الرغم من إصدار تقرير لجنة “بسيوني” في 2011 الذي وثق الانتهاكات، لم يتم اتخاذ إجراءات حقيقية ضد المسؤولين في وزارة الداخلية، بل إن وزير الداخلية راشد بن عبدالله آل خليفة، الذي كان يشرف بشكل مباشر على عمليات التعذيب، استمر في منصبه دون محاسبة.

وبالإضافة إلى ذلك، شهدت البحرين العديد من حالات القتل خارج نطاق القضاء والإهمال الطبي المتعمد داخل السجون، حيث توفي العديد من السجناء السياسيين نتيجة للتعذيب الممنهج، مثل عبدالكريم فخراوي وزكريا العشيري، ورغم توثيق هذه الحالات، لم يُفتح تحقيق جدي في هذه الوفيات، كما استمر المتورطون في مناصبهم.

وفي حالات كثيرة، تم التغطية على الجرائم المرتكبة من قبل أفراد العائلة المالكة، بما في ذلك القتل المتعمد، فعلى سبيل المثال، جريمة قتل الإعلامية إيمان الصالحي على يد أحد أفراد العائلة المالكة، حمد مبارك آل خليفة، عام 2016، لم تثير أي اهتمام إعلامي رسمي، وتمت تبرئته لاحقًا بعد حصوله على عفو ملكي.

كما تم تعيين المتورطين في تعذيب السجناء في مناصب رفيعة، ما يعكس عدم وجود إرادة حقيقية للمحاسبة.

إنَّ استمرار هذه الانتهاكات في البحرين يوضح بجلاء فشل السلطات في تطبيق العدالة الحقيقية، ويعزز من سياسة الإفلات من العقاب التي تضمن بقاء المسؤولين عن التعذيب في مأمن من المحاسبة.

وتبقى دعوات المنظمات الحقوقية والمجتمع الدولي للضغط على البحرين لتقديم مرتكبي هذه الانتهاكات إلى المحاكمة تتزايد، بينما يبقى النظام مصمماً على الحفاظ على هؤلاء المجرمين في مناصبهم.

قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.