أبرزت صحيفة فايننشال تايمز البريطانية ما ينتظر زيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى ثلاث دول خليجية هذا الشهر من معضلات دبلوماسية وسط مساعي إبرام صفقات تجارية ضخمة.
وستشمل جولة ترامب إلى الخليج هذا الشهر كلًا من الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية وقطر، في تكرار لزيارته إلى السعودية في مايو 2017.
وبحسب الصحيفة فإن الأبهة والاستعراض قد تفوق هذه المرة الزيارة السابقة — إذ يدرك مضيفوه أن إرضاء شغف ترامب بالمراسم والإعلانات الكبرى سيساعد في تمهيد الطريق للصفقات التي يسعون إليها، لكن السياق والمضمون يختلفان كثيرًا هذه المرة.
وسيصل ترامب إلى شبه جزيرة تغيّرت ملامحها، فقد نضجت السعودية جيوسياسيًا وأصبحت الرياض الوجهة الأهم للقادة ورواد الأعمال والفاعلين الدوليين.
أما الإمارات فقد أصبحت مركزًا عالميًا للتمويل والتكنولوجيا والتجارة وأصحاب المليارات، ولم تعد قطر الخصم الإقليمي، بل أصبحت لاعبًا دبلوماسيًا ذا قيمة بفضل علاقاتها مع الإسلاميين التي تثير التوتر، لكنها أيضًا تساهم في إبرام الصفقات.
وتشعر هذه الدول بأنها انتصرت، وهي مستعدة الآن للخوض في مياه عالم مضطرب.
كان النظام العالمي المتآكل، غربيًا أكثر من اللازم وغير مرن بالنسبة لهذه الدول، واليوم تطالب بمكان على طاولة إدارة الاقتصاد والأمن العالميين، ولم تعد تمارس سياسة التحوّط الاستراتيجي فقط، بل تسعى إلى سد الفجوات الاقتصادية والسياسية، وتقدم نفسها كدول وسيطة ومستثمرين للقوى الكبرى.
وتراقب هذه الدول تصدع الاجماع الغربي ضد روسيا والصين بعد ان رفضت مطالب الغرب بالانحياز ضد موسكو وبكين، وهي تساهم الان في تقارب أمريكي–روسي وتضاعف رهاناتها على بكين، في وقت تعيد فيه الدول الأوروبية، المتضررة من سياسات ترامب، بناء علاقاتها مع الصين.
سيتطلب التعامل مع ترامب أعصابًا باردة، لكن قادة الخليج يعتقدون أنهم قادرون على إدارة أسلوبه الفريد والاستفادة منه بشكل أفضل من غيرهم.
ففي بدايات إدارته، أعلنت السعودية أنها ستستثمر 600 مليار دولار في الولايات المتحدة خلال أربع سنوات، ومن المتوقع أن يرد ترامب بعرض صفقة سلاح بقيمة 100 مليار دولار.
وفي مارس، أعلنت الإمارات عن خطة استثمارية ضخمة بقيمة 1.4 تريليون دولار خلال العقد المقبل. وربما لا تتحقق هذه الأرقام كاملة، لكن الأهم أنها جذبت انتباه ترامب.
والخطر الذي يواجه الخليج يكمن في الخلط بين الوصول والتأثير، والمبالغة في تقدير التأثير — فمثل هذا الخطأ قد يكون مكلفًا.
لا يمكن التخلي عن الصين، بغضّ النظر عن توقعات واشنطن، ففرض حدود شيء، وأما التخلي عن أكبر مشترٍ لنفط الخليج وأكبر شريك اقتصادي له، فشيء آخر تمامًا.
ورغم العداء الشديد تجاه إيران، لا ترغب دول الخليج في الحرب، وهي ترحب بضعف إيران، لكنها قلقة من غرور إسرائيل، وهي تفضل التوصل الى اتفاق مع طهران كما هو موقف ترمب لكنها لا تعرف ما هو الحد الأدنى الذي قد يقبل به.
إذ أن الحل النووي المحدود يُرضي ترامب دون أن يقيّد إيران قد يجعل الأمور أسوأ، وهناك قلق آخر يتربص بالجميع في الافق يتمثل في فكرة أن تُفسد إسرائيل المسار الدبلوماسي أو تدفع ترامب نحو شن هجوم واسع على إيران، مما سيؤدي إلى رد انتقامي يستهدف القوات الأمريكية والبنية التحتية الحيوية في الخليج.
كما أن الاضطرابات الاقتصادية في الأسابيع الماضية أضرت بالمنطقة، فرغم الفوائض التجارية الخليجية والاستثمارات الضخمة في الولايات المتحدة، فرض ترامب تعريفة جمركية بنسبة 10% على البضائع القادمة من هذه الدول.
وتستثمر صناديق الثروة السيادية الخليجية بشكل كبير في الأسهم والسندات الأمريكية، والمستثمرون الخليجيون الذين طالما قدّروا استقرار النظام الأمريكي، بدأوا الآن يعيدون النظر في مدى انكشافهم عليه، وإذا استمر تراجع الدولار، فإن ذلك سيؤثر على العملات الخليجية المرتبطة به، مما سيؤدي إلى ضغوط تضخمية.
وعلى نفس القدر من الأهمية، فقد انخفضت أسعار النفط بسبب توقعات الركود والتضخم العالمية، ويمثل سعر النفط الذي يقل عن 65 دولارًا، كما هو حاليًا، أخبارًا سيئة للحيز المالي وخطط التحول والاستقرار الإقليمي، خاصةً وأن الدول الفقيرة تعتمد على سخاء الخليج.
والأسوأ من ذلك، أن الولايات المتحدة — التي أصبحت أكبر منتج ومصدر رئيسي للنفط — بدأت تستخدم الطاقة كسلاح بطرق امتنعت عنها دول الخليج نفسها.
وقد يسعى ترامب إلى إبرام الاتفاق الذي عجز جو بايدن عن تحقيقه: اتفاق أمريكي–إسرائيلي–سعودي.
لا تزال القيادة السعودية متحمسة لاتفاق شامل يشمل ضمانات أمنية أمريكية وتقنيات متقدمة، لكن إدراج إسرائيل، وإن كان مهمًا لضمان موافقة واشنطن، إلا أن سلوكها في غزة، ورفضها للدولة الفلسطينية، وقصفها لسوريا، يعقّد الأمور.
قد لا يحمل القادة الشباب في السعودية مشاعر تجاه القضية الفلسطينية، لكن الشباب السعودي يفعل، والتعامل مع إصرار ترامب بينما تنزف غزة وتجوع قد يكون أصعب اختبار أمام القيادة السعودية.
كما أن التصورات حول الولايات المتحدة تتغير، فإذا كان الشك بدأ يتسرب إلى حلفاء الناتو والشركاء الآسيويين المرتبطين بأمريكا تاريخيًا وقيميًا واقتصاديًا، فإن قادة الخليج لا بد أنهم أيضًا باتوا يتساءلون عن مخاطر هذه العلاقة بقدر ما يقدّرون فوائدها.
الرابط المختصر https://gulfnews24.net/?p=71428