محادثات سورية-إسرائيلية مباشرة في أذربيجان: تحول استراتيجي بوساطة تركية وصمت رسمي

في تطور لافت يعكس تحولات عميقة في خريطة التحالفات الإقليمية، كشفت شبكة CNN الأميركية عن عقد أول محادثات مباشرة بين مسؤولين إسرائيليين وممثلين عن الحكومة السورية الجديدة، وذلك في العاصمة الأذربيجانية باكو، بوساطة تركية وحضور مسؤول عسكري إسرائيلي رفيع.

ويشير هذا اللقاء، غير المعلن رسمياً حتى اللحظة، إلى تبدل جذري في طبيعة العلاقة بين الجانبين، خصوصاً مع صعود حكومة سورية مؤقتة بقيادة أحمد الشرع، الذي خلف الرئيس السوري السابق بشار الأسد بعد الإطاحة به في ديسمبر الماضي.

تفاصيل اللقاء وملابساته
بحسب مصدر إسرائيلي مطّلع تحدّث إلى CNN، فقد حضر اللقاء من الجانب الإسرائيلي الجنرال أوديد باسيوك، رئيس مديرية العمليات العسكرية في الجيش الإسرائيلي، والتقى ممثلين رسميين عن الحكومة السورية المؤقتة، بوجود مسؤولين أتراك لعبوا دوراً في تيسير الاجتماع.

ورغم رفض الجيش الإسرائيلي تأكيد أو نفي هذه المعلومات، واكتفائه بالقول إنه “لم تجر أي محادثات مباشرة مع ممثلي الحكومة السورية”، إلا أن تسريب الحدث إلى وسائل إعلام إسرائيلية – حيث كانت القناة 12 العبرية أول من أورد الخبر – يشي بأن هناك توافقاً ضمنياً على كشف المسار الجديد ولو تدريجياً.

وحتى الآن، لم يصدر عن دمشق أي نفي أو تأكيد رسمي بشأن المحادثات، فيما اكتفى الرئيس السوري المؤقت أحمد الشرع قبل أيام بالإشارة إلى “مفاوضات غير مباشرة” مع إسرائيل، هدفها – كما قال – “احتواء التصعيد الإسرائيلي وتجنب فقدان السيطرة من قبل الطرفين”.

الدور التركي: الوسيط الجديد في الملف السوري الإسرائيلي؟
تمثل الوساطة التركية في هذا اللقاء مؤشراً إضافياً على تنامي دور أنقرة في الملفات الإقليمية الحساسة، لا سيما تلك التي كانت حتى وقت قريب حصرية بروسيا أو إيران. ويبدو أن تقارب أنقرة وتل أبيب في العامين الأخيرين قد مهد لاضطلاع تركيا بدور وساطة بين دولتين ظلتا على خصام معلن منذ عقود.

ومع تصدع الهيكل القديم للحكم في دمشق، ومحاولة القوى الإقليمية والدولية إعادة تشكيل المعادلات السورية، تظهر تركيا كفاعل محوري يسعى لتقريب وجهات النظر بين الحكومة السورية الجديدة وإسرائيل، وربما لإعادة رسم حدود التأثير داخل الجغرافيا السورية.

من أحمد الشرع؟ ولماذا التقى ترامب؟
الشرع، الذي صنّفته واشنطن إرهابياً عام 2013 على خلفية انخراطه السابق في تنظيمات جهادية، أصبح منذ سقوط نظام الأسد الشخصية الأبرز في دمشق. وقد التقى الأسبوع الماضي الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب في الرياض، في لقاء هو الأول من نوعه بين زعيم سوري وأميركي منذ أكثر من عقد.

وخلال اللقاء، تعهد ترامب – بحسب CNN – برفع العقوبات المشددة المفروضة على سوريا، بما فيها تلك التي تستهدف اقتصادها ومؤسساتها المالية. ويعد هذا التعهد جزءاً من مقاربة أميركية جديدة تهدف – وفق ما يُفهم من التسريبات – إلى دعم الحكومة المؤقتة كبديل مقبول يمكن التعاطي معه إقليمياً ودولياً.

مؤشرات لتحول سياسي واستراتيجي
لم تتضح بعد تفاصيل الأجندة التي نوقشت في اللقاء بين الجانبين، لكن السياق السياسي والعسكري يشير إلى أن ملف الوجود الإيراني في الجنوب السوري، والهجمات الإسرائيلية المتكررة على مواقع عسكرية هناك، يشكل أحد أبرز القضايا.

كما يحتمل أن يكون ملف إعادة الإعمار، وترتيب مستقبل الحدود والجولان، وكذلك ملف اللاجئين السوريين – لا سيما في الأردن – قد طُرح على طاولة النقاش.

ويأتي هذا التطور في وقت تُصعّد فيه إسرائيل من عملياتها في العمق السوري، فيما تحاول الحكومة السورية الجديدة الحفاظ على سيطرتها في المناطق المحاذية للحدود، وتجنب الانزلاق إلى مواجهة مفتوحة قد تهدد استقرارها الوليد.

صمت روسي وإيراني… وترقب عربي
حتى الآن، لم تصدر أي تعليقات من موسكو أو طهران بشأن هذه المحادثات. ويُعتقد أن تغييب الحليفين التقليديين للأسد عن هذا المسار يحمل رسالة واضحة بأن المرحلة الجديدة من المشهد السوري تُدار خارج الطوق الروسي-الإيراني، وبمشاركة فاعلين جدد، في مقدمتهم تركيا والولايات المتحدة، وربما إسرائيل نفسها.

أما عربياً، فيسود الترقب الحذر، حيث لم تعلّق أي دولة خليجية أو عربية على اللقاء، رغم مشاركة العديد منها في دعم الحكومة السورية الجديدة، ولو بشكل غير معلن.
وقد تشكل المحادثات التي جرت في أذربيجان بداية مرحلة مختلفة كلياً في العلاقة بين سوريا وإسرائيل، خصوصاً إذا ما تكررت اللقاءات أو أُتبع اللقاء بمبادرات علنية. لكن المؤكد هو أن سقوط نظام الأسد قد فتح الباب أمام ترتيبات إقليمية معقّدة، تلعب فيها إسرائيل وتركيا دوراً مباشراً، فيما تحاول واشنطن إعادة الإمساك بخيوط اللعبة بعد سنوات من التراجع.

وبينما تُصاغ خرائط جديدة بهدوء، تبقى الأسئلة الكبرى مفتوحة: هل يقود هذا المسار إلى تطبيع فعلي؟ وما مصير الجولان واللاجئين؟ وهل سيكون لإيران موطئ قدم في سوريا ما بعد الأسد؟ الأسابيع المقبلة كفيلة بتقديم بعض الإجابات.

قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.