قالت مجلة ناشونال انتريست الأمريكية إن أوروبا قدمت استجابة متواضعة لأزمة البحر الأحمر، رغم أنها تعتمد على هذا الطريق البحري لنقل موارد حيوية و40% من تجارتها مع آسيا.
واعتبرت المجلة أنه يجب أن تكون القوى العربية الإقليمية، مثل مصر التي تعتمد على قناة السويس لبقائها الاقتصادي، أكثر تحفيزًا للتحرك، وإلا ستواصل خسارة العائدات من انخفاض حركة المرور.
وأشارت إلى أنه يمكن للولايات المتحدة أن تستمر في دعم حلفائها وشركائها، ولكن دون أن تتولى القيادة المباشرة في المنطقة، وهي القيادة التي أصبحت عبئًا مكلفًا عليها.
رغم إنفاق الولايات المتحدة نحو 4.86 مليار دولار في عمليات حماية السفن التجارية والعسكرية في البحر الأحمر وتنفيذ ضربات انتقامية ضد مواقع الحوثيين، لم تتمكن إدارة الرئيس جو بايدن من “استعادة الردع”.
فبينما يركز الكثيرون على الفوائد أو الأضرار المالية للسياسة الجمركية المتبادلة التي أعلنها الرئيس دونالد ترامب — والتي أسماها لاحقًا “يوم التحرير” — من المهم أيضًا الإشارة إلى التناقض الواضح في أجندة إدارة ترامب: لماذا تهدد الإدارة بتفجير التجارة العالمية في الداخل، بينما تشن ضربات عسكرية لدعم التجارة العالمية في الخارج؟
ولا يزال الرئيس ترامب يطالب الحوثيين بوقف هجماتهم على التجارة الدولية وسفن البحرية الأميركية في البحر الأحمر، كما يطالب إيران بوقف دعمها للمتمردين.
وقد أكد وزير الدفاع بيت هيغسث أن الحملة العسكرية ستستمر حتى يوقف الحوثيون هجماتهم. وأكد بيان صادر عن البيت الأبيض أن الهدف الأساسي للإدارة هو حماية التجارة العالمية.
لكن على الرئيس ترامب أن يفكر في نهج بديل، إذ أن إدارته تقود ردًا عسكريًا قد لا يكون مستدامًا أو ناجحًا في النهاية، من أجل قضية تتناقض مع أولوياته الأخرى.
يظل ترامب ملتزمًا بتصحيح ما يعتبره أخطاءً ليس فقط لسلفه، بل للأجيال السابقة من السياسة الخارجية الأميركية عبر القرن العشرين والحادي والعشرين — من التجارة والهجرة إلى قناة بنما وحلف الناتو.
غير أن الضربات الجوية في اليمن تكشف حدود هذا الهدف، حيث تبقي الولايات المتحدة متورطة في صراعات الشرق الأوسط، بدلاً من مواصلة الانسحاب منها كما يفعل في مناطق أخرى.
تمكنت المدمرة الموجهة “كارني” (USS Carney DDG 64) من التصدي لهجوم مركب من صواريخ ومسيّرات حوثية في البحر الأحمر، في 19 أكتوبر.
تشبيه بعض المحللين رغبة ترامب في تفكيك العلاقة بين روسيا والصين بما يُسمى “كسينجر العكسي”. في عام 1956، ضغط الرئيس الأميركي أيزنهاور على القوى الأوروبية للانسحاب من أزمة السويس لتجنب مواجهة مع الاتحاد السوفييتي، مما أدى إلى تآكل النفوذ البريطاني والفرنسي في الشرق الأوسط وأدى إلى “مبدأ أيزنهاور” لتعزيز الوجود الأميركي هناك.
أما “أيزنهاور العكسي” المقترح هنا، فسيعيد الأوروبيين للمنطقة ليتحملوا مسؤولية تأمين طرق التجارة التي يعتمدون عليها.
كما أن العمليات العسكرية الحالية تستهلك ذخائر ثمينة ومكلفة تحتاجها الولايات المتحدة في مسارح أكثر أهمية لمصالحها، مثل منطقة المحيطين الهندي والهادئ.
في الوقت الذي يستخدم فيه الحوثيون طائرات مسيرة وصواريخ زهيدة الكلفة وفعالة، تخاطر الولايات المتحدة بفقدان طائرات “ريبر MQ-9” التي تصل تكلفة الواحدة منها إلى أكثر من 30 مليون دولار.
وقد أظهر الحوثيون قدرة عالية على الصمود في وجه الحملات الجوية، وإذا لم تجد وزارة الدفاع الأميركية في عهد ترامب طريقة لمعالجة المشكلات التي أعاقت العمليات السابقة ضدهم، فإن الإدارة الحالية قد تواجه النتائج ذاتها.
وقد يؤدي الفشل في تحقيق النتائج المرجوة بسرعة إلى مزيد من تآكل مصداقية الولايات المتحدة. وحتى إذا نجحت هذه الحملة مؤقتًا في وقف هجمات الحوثيين على السفن الأميركية، لا يوجد ما يضمن استمرار ذلك، خصوصًا إذا استعادت الجماعة قدراتها لاحقًا.
ما لم يتم شن ضربات مستمرة ضد الحوثيين أو تحقيق انفراجة دبلوماسية في الشرق الأوسط، فإن توفير ضمان طويل الأمد ضد هذه الهجمات سيتطلب عمليات مطولة لاعتراض الأسلحة أو القضاء الكامل على الحوثيين.
واعتبرت المجلة أن يجب أن تتحمل الدول ذات المصلحة الأكبر، وخاصة الدول الأوروبية والعربية، عبء تأمين التجارة عبر البحر الأحمر وقناة السويس.
وكما أشار نائب الرئيس جي دي فانس في دردشة “سيغنال” المسربة، فقد حذرت الولايات المتحدة حلفاءها الأوروبيين من الاعتماد المفرط عليها، في سياق الحرب في أوكرانيا. ويجب توسيع هذا المنطق ليشمل البحر الأحمر أيضًا، حيث يحتاج الأوروبيون إلى أن يصبحوا أكثر فاعلية في حماية مصالحهم.
من غير المنطقي أن تشن الولايات المتحدة حملة عسكرية لحماية طرق تجارية لصالح دول ستدخل معها في حرب تجارية قريبًا.
وقالت المجلة إن حملة ترامب ضد الحوثيين تتناقض مع أجندته الأوسع، وقد تعرقل محاولات الولايات المتحدة لتقليص انتشارها العسكري في منطقة لم تعد بنفس الأهمية الاستراتيجية لها.
ورأت أن تشجيع القوى الإقليمية التي لديها مصالح أكبر على أن تصبح أكثر اعتمادًا على نفسها يتماشى مع هدف ترامب المعلن بتصحيح أخطاء الإدارات السابقة، وأنه يجب أن يكون “يوم التحرير” القادم بمثابة تحرير للأميركيين من صراعات الشرق الأوسط.
الرابط المختصر https://gulfnews24.net/?p=71203