قالت مصادر يمنية مطلعة إن ما جرى في عدن مؤخراً وظهور انقسام داخل حكومة الشرعية اليمنية، يمثل مرحلة متقدمة من مشروع سياسي مُحكم، تقوده دولة الإمارات لإعادة هندسة المشهد في جنوب اليمن، وفرض وقائع جديدة تتجاوز الشرعية المعترف بها دولياً، وتستبق أي تسوية سياسية شاملة قد تُعيد توحيد القرار اليمني.
وبحسب المصادر التي تحدثت لموقع “خليج 24” شرطة عدم كشف هويتها، فإن إعلانات التأييد العلنية التي صدرت عن وزارات وهيئات ومسؤولين حكوميين لصالح المجلس الانتقالي الجنوبي، وصولاً إلى الترويج الصريح لإعادة تأسيس دولة جنوبية، لم تكن زلات لسان ولا اندفاعات عاطفية.
وذكرت المصادر أن هذه التحولات المفاجئة في الخطاب لا تعكس تغييراً في القناعات السياسية بقدر ما تعبّر عن تغيير في الولاءات. المال الإماراتي، وأدوات النفوذ التي بناها محمد بن زايد خلال سنوات من التدخل في اليمن، انتقلت اليوم من مرحلة الرعاية غير المباشرة إلى مرحلة فرض الأمر الواقع من داخل مؤسسات الشرعية نفسها.
وأوضحت المصادر أن ما تقوم به أبوظبي هو تسريع عملية «كسر العتبة السياسية»؛ أي نقل الانقسام من مستوى الخلاف السياسي إلى مستوى الشرعية الإدارية الجزئية.
وذلك عبر استقطاب وزراء ووكلاء ونواب وزارات، تعمل الإمارات على إنتاج مشهد يُقدَّم لاحقاً بوصفه «إرادة مؤسسات الدولة»، لا تمرّداً عليها بما يمثل خطوة خطيرة، لأنها تُفرغ مفهوم الشرعية من مضمونه، وتحوله إلى أداة تُستخدم لتبرير الانقسام بدل حمايته من التفكك.
فالتوقيت ليس صدفة، واللغة الموحدة في البيانات ليست تفصيلاً. التزامن، وتشابه المصطلحات، والإشارة المتكررة إلى الجاهزية «الإدارية والمادية» لمرحلة انتقالية، كلها مؤشرات على إدارة مركزية للعملية. ما حدث لم يُكتب في عدن، بل صيغ في غرف القرار في أبوظبي، حيث يُدار الملف اليمني بعقلية المقاول السياسي لا الشريك في التحالف.
وبحسب المصادر فإن الهدف مزدوج وواضح: أولاً، التقدّم خطوة أمام السعودية، الشريك الذي تحاول الإمارات تجاوزه لا مواجهته علناً. فبن زايد يدرك أن أي تسوية سياسية برعاية إقليمية أو دولية قد تُعيد الاعتبار لمفهوم الدولة اليمنية الواحدة، وهو ما يهدد مشروعه القائم على تفكيك النفوذ لا توحيده.
ثانياً، حسم ملف الجنوب قبل أي تسوية شاملة، بحيث تدخل الإمارات المفاوضات – إن حصلت – وهي تملك «واقعاً إدارياً» مفروضاً، لا مجرد أوراق ضغط.
بهذا المعنى، لا تسعى الإمارات إلى إعلان انفصال فوري، بل إلى إدارة مرحلة رمادية طويلة: حكومة ضعيفة، شرعية منخورة، ومؤسسات منقسمة على نفسها. هذه البيئة هي المثالية لتمرير المشاريع، ونهب الموارد، والسيطرة على الموانئ والممرات البحرية، من دون تحمّل كلفة سياسية مباشرة.
وقد تحقق الجزء الأول من الخطة: إضعاف الحكومة من داخلها، وتجريدها من قدرتها على اتخاذ قرار سيادي موحد. لم تعد المشكلة في مواجهة المجلس الانتقالي كقوة أمر واقع، بل في أن خصوم الحكومة باتوا يجلسون داخلها، ويتحدثون باسمها، ويعملون ضدها في آن واحد.
الخلاصة أن ما يحدث في عدن ليس «سياسة بيانات»، بل سياسة شراء الوقت والقرار معاً. الإمارات لا تراهن على حدث واحد، بل على مسار طويل من الاستنزاف المؤسسي، حتى تصل إلى نهاية الطريق الذي رسمته، مهما كان مظلماً. ومن يعتقد أن ما جرى عفوي أو ناتج عن لحظة غضب سياسي، لا يفهم كيف تُدار الملفات حين يُراد تجاوز الشريك، وتطويع الدولة، وفرض النتيجة قبل أن يُفتح باب التسوية.
الرابط المختصر https://gulfnews24.net/?p=73426