رغم التحولات الضريبية في دول الخليج، اعتمدت هذه الدول ضريبة عالمية بحد أدنى 15% على الشركات، فإن هناك محفزات خاصة ما تزال تشجع الشركات متعددة الجنسيات على الاستمرار في الاستثمار في المنطقة.
لطالما كانت معدلات الضرائب المنخفضة جزءًا أساسيًا من استراتيجية دول الخليج لجذب الشركات العالمية التي تسعى للاستفادة من موقعها الاستراتيجي، وأسعار الطاقة الرخيصة، والأسواق المتوسعة، حتى العام الماضي، كانت الإمارات العربية المتحدة خالية من الضريبة الاتحادية على الشركات، ولكنها الآن تفرض ضريبة على الدخل بنسبة 9%.
وقد وضعت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية في أواخر 2021 معيارًا عالميًا يشترط على الشركات الكبرى دفع ضريبة دنيا بنسبة 15% في كل دولة تعمل فيها، وذلك بعد اتفاق 136 دولة على هذا النظام. وفي 2024، أعلنت عدد من دول الخليج عزمها تطبيق هذا النظام بدءًا من يناير 2025.
وكانت الكويت قد قررت تنفيذ الضريبة في العام الجديد بعد قرار حكومي، بينما لا تزال البحرين تحتفظ بمعدل ضريبة صفرية على الشركات في معظم القطاعات باستثناء النفط والغاز. أما عمان فقد أدرجت ضريبة على الشركات تفي بالحد الأدنى للمنظمة منذ 2017. ومن المتوقع أن تحذو المملكة العربية السعودية وقطر حذو هذه الدول مع مرور الوقت.
ورغم أن دول الخليج لن تستطيع الاعتماد فقط على الضرائب التنافسية كأداة جذب، فإنها تتبع نهجًا مدروسًا لجذب الاستثمارات الأجنبية من خلال تقديم حوافز مستهدفة، مثل الإعفاءات الضريبية لبعض الاستثمارات. على سبيل المثال، تقدم المملكة العربية السعودية إعفاء ضريبي لمدة 30 عامًا للشركات الأجنبية التي تؤسس مقرات إقليمية في المملكة، مع إعفاء كامل من ضريبة الشركات وبدون ضرائب اقتطاع خلال تلك الفترة.
وعلى نفس المنوال، أعلنت وزارة المالية في الإمارات عن خطط لتحفيزات ضريبية، بما في ذلك تحفيزات لدعم البحث والتطوير بدءًا من 2026، تتضمن ائتمان ضريبي قابل للاسترداد يتراوح بين 30% و50% حسب حجم الإيرادات وحجم الشركة.
لكن هذه التعديلات لن تؤثر سلبًا على المستثمرين والشركات متعددة الجنسيات الذين كانوا يعتزمون البقاء في المنطقة، إذ يشير الخبراء إلى أن النموذج الجديد للضرائب يجب أن يُدمج ضمن تقييم شامل لمزايا المنطقة، فالتنافسية في الخليج تتشكل من أكثر من سياسة ضريبية فقط؛ بل تشمل أيضًا تكاليف الطاقة المنخفضة، والبنية التحتية العالمية، وجودة الحياة العالية.
وتقوم الشركات الغربية الكبرى بخطوات جريئة نحو الخليج؛ حيث تقوم شركة مورغان ستانلي بنقل مقرها الرئيسي في الشرق الأوسط إلى الرياض، بينما تقوم شركة مارشال وايس هيدج فاند بفتح فرع لها في أبوظبي للاستفادة من قاعدة المستثمرين في المنطقة.
والمؤسسات الكبرى في قطاع الطاقة مثل شل وبي بي وتوتال إنيرجيز وميتسوبيشي تدعم مبادرة جديدة لزيادة إنتاج الغاز الطبيعي المسال في الخليج، التي تشرف عليها شركة أدنوك.
وقد أصبحت منطقة الخليج نقطة جذب للعديد من الشركات التي تسعى لتحقيق فرص نمو جديدة. ومع ذلك، فإن النجاح في هذه الأسواق يتطلب فهم رؤية المنطقة طويلة المدى والتكيف معها بشكل استراتيجي.
وتسعى السعودية إلى زيادة الفرص الاستثمارية من خلال فرض شروط جديدة على الشركات المتعددة الجنسيات لإقامة مقار إقليمية في المملكة لتقديم عروض للمناقصات الحكومية.
وتدور رؤية هذه السياسات حول جذب رأس المال الأجنبي لا لتحقيق المكاسب المالية فحسب، بل لتزويد الاقتصاد المحلي بالموارد البشرية، الملكية الفكرية، والتكنولوجيا.
وفي سياق التوسع الاقتصادي، تعتبر التنوع في مصادر الدخل بعيدًا عن النفط أحد المحركات الرئيسية لاستراتيجيات حكومات الخليج، حيث تقوم الإمارات والسعودية بتنفيذ خطط طموحة مثل “رؤية السعودية 2030” و”مئوية الإمارات 2071” لتقليص الاعتماد على النفط وإعادة تشكيل اقتصادهما.
وتسعى الدول الخليجية إلى بناء قاعدة تجارية أوسع تشمل قطاعات مثل الذكاء الصناعي والطاقة المتجددة واللوجستيات. وهذه التحولات تعكس تكيف المنطقة مع التحول العالمي نحو الطاقة النظيفة، فضلاً عن سعيها لتعزيز مكانتها في الاقتصاد العالمي التنافسي.
في هذا الإطار، تبرز فعاليات مثل “أسبوع أبوظبي المالي 2024”، الذي عُقد في ديسمبر 2024 بمشاركة نحو 20,000 مندوب يمثلون أكثر من 42.5 تريليون دولار من الأصول المدارة، لمناقشة المواضيع الاقتصادية والثقافية، فضلاً عن الابتكار التكنولوجي والبيئي.
إن الشركات التي تتماشى مع رؤية دول الخليج لخطط التنويع الاقتصادي، الابتكار، والمشاركة المحلية، ستستفيد من هذه الفرص الهائلة من خلال الحوافز والشراكات والوصول إلى أسواق مجزية.
الرابط المختصر https://gulfnews24.net/?p=69916