أعلن مجلس الوزراء اليمني في الحكومة المعترف بها دولياً مؤخرا التوقيع على اتفاقية استثمار لشركة إماراتية في قطاع الاتصالات بالمناطق الخاضعة لسيطرة القوات الحكومية، من دون تقديم أيّ تفاصيل حول الاتفاقية نفسها أو حتى اسم الشركة المعنيّة.
وطرحت منظمة “سمكس” في تعقيبها على تسليم قطاع الاتصالات اليمني لشركة إماراتية تساؤلا إن كانت الصفقة تستهدف “تأمين الاتصالات أم خرق للسيادة الوطنية؟”.
وأشارت إلى تقريرٌ أصدرته لجنة تقصي الحقائق في البرلمان اليمني يفيد أنّ اسم الشركة هو “إن إكس تكنولوجي” (NX technology)، متّهماً الحكومة بخرق الدستور والعمل خارج أحكامه، واصفاً الأمر بـ”المخالفة الجسيمة، وبأنّها سابقة خطيرة لم يسبق لأي حكومة من قبل أن اقترفتها على الإطلاق”.
وبعد أيامٍ من الفوضى والجدل الذي أثاره تقرير البرلمان، في 4 أيلول/سبتمبر الماضي تحديداً، عقد رئيس الوزراء اليمني معين عبد الملك مؤتمراً صحافياً للرد على تقرير البرلمان، قال فيه إنّ اللجنة التي أعدّت التقرير تشكلت على خلفيّة ادّعاءاتٍ غير صحيحة، في إشارة إلى رجل الأعمال اليمني أحمد العيسي الذي كان اتهم سابقاً رئيس الوزراء في مقابلة تلفزيونية بـ”بيع اليمن وتدمير المؤسسات الحكومية”.
من جهته، قال عبد الملك إنّ الاتفاقية أجريت بناءً على حاجة الحكومة اليمنية إلى تأمين اتصالات وبيانات المواطنين/ات، وكذلك اتصالات الحكومة وقيادات الجيش، بعيداً عن شركات الاتصالات التي تسيطر عليها جماعة الحوثيين.
واعتبر أنّ “سيطرة مليشيا الحوثي على مؤسسات الاتصال الخاصة بالدولة والشركات الخاصة له مخاطر أمنية كبيرة”.
وعزا رئيس الحكومة إسناد العمل للشركة الإماراتية إلى فشل الشركات السابقة في تشغيل شبكة اتصالات حتى في مدينة واحدة، “بعدما منحنا تراخيص لعددٍ من الشركات لبناء شبكات اتصال، وقدمنا لهم جميع التسهيلات”.
ويمثل قطاع الاتصالات وتقنية المعلومات أحد أهم القطاعات السيادية وأكثرها ارتباطاً بالأمن القومي، إضافة إلى كونه يُشكل مورداً اقتصاديّاً لا يقل أهمية عن قطاع النفط والغاز في اليمن.
قبل الانقلاب الذي نفّذه الحوثيون في أواخر 2014، كان قطاع الاتصالات يمثّل ثاني أكبر الموارد التي تغذّي الميزانية العامة بنسبة 30%، إذ بلغت إيرادات الاتصالات عام 2014 نحو 130 مليار ريالٍ يمني (أي ما يعادل 605 ملايين دولارٍ أميركي).
في حديثٍ مع “سمكس”، يقول مصدرٌ في وزارة الاتصالات التابعة للحكومة المعترف بها دولياً والمدعومة من التحالف الذي تقوده السعودية، فضّل عدم الكشف عن اسمه، إنّ الاتفاقية التي وُقّعت مع شركة “إن إكس تكنولوجي” الإماراتية هي اتفاقية شراكة وليس بيع كما روّج بعض البرلمانيون/ات، مشيراً إلى أنّها تنصّ على إعفاء الشركة من تصاريح التشغيل البالغة 150 مليون دولار سنوياً، مقابل ذهاب نسبة 30% من الأرباح للحكومة.
“تذهب من المحافظات الخاضعة لسيطرة الحكومة من قطاع الاتصالات نحو 8 ملايين دولار يومياً إلى صنعاء، يستغلها الحوثيون لتعزيز إمكاناتهم العسكرية”، يضيف المصدر، منوّهاً بأنّ الاتفاقية ستسمح للحكومة باستغلال هذا المورد “لتحسين الوضع الاقتصادي في المناطق التي تسيطر عليها، وتأمين حمايةٍ رقمية للمستخدمين/ات بحيث تكون الحكومة الجهة الوحيدة القادرة على التحكم بالبيانات”، حسب قوله.
ومع ذلك، فإن غموض بنود الاتفاقية يثير التساؤلات حول الضمانات بعدم اختراق الخصوصية.
شركة مجهولة واتهامات جريئة
تأسست “إن إكس تكنولوجي” الإماراتية عام 2015، وهي شركةٌ ناشئة متخصصة في الأمن الرقمي والذكاء الاصطناعي، إلا أنّ موقعها الإلكتروني لا يُظهر أيّ نشاط فعلي لها داخل الإمارات أو خارجها، ما يرسم علامات استفهامٍ حول الشركة وطبيعتها وتوجّهها.
في مقابلة مع “سمكس”، يذكر عضو لجنة تقصّي الحقائق بالبرلمان علي المعمري أنّ “صفقة بيع شركة ’عدن نت‘ أجريت بشكل سرّي وسريع من قبل رئيس الحكومة، من دون الرجوع للبرلمان اليمني كما ينص الدستور”. حتّى “عندما طلبنا الوثائق وتفاصيل الاتفاقية، امتنعت الحكومة عن تزويدنا بمسودات العقد، وطُرح أمام مجلس الوزراء للمصادقة عليه مع أنّه لم يكن مدرجاً ضمن مهام الجلسة”.
أجرت لجنة تقصي الحقائق بالبرلمان بحثاً حول الشركة، لتجد أنّها تمتلك شقة صغيرة في إحدى أبراج أبوظبي، وأنّها متخصصة في الدعم الرقمي والأمن السيبراني ولم يسبق لها أن عملت في مجال الاتصالات، وفقاً للمعمري الذي يضيف أنّ”تسليم مؤسسات الدولة لها يُثير التساؤلات في ظل الغموض الذي يكتنف هذه الصفقة”.
سمح الاتفاقية لشركة “إن إكس تكنولوجي” الإماراتية بالاستحواذ على السعات التراسلية الدولية من المؤسسة العامة للاتصالات وتراسل المعطيات في اليمن، والترقيم الوطني وكذلك شبكة الألياف الضوئية والطيف الترددي والبنية التحتية للاتصالات والإنترنت في البلاد. وهذا، بحسب المعمّري، يمنحها قدرة على المراقبة والتجسّس على كافة مستخدمي/ات شبكة الاتصالات وليس المشتركين/ات بخدمات الشركة حصراً.
تاريخ عريق في انتهاك الخصوصية
لشركات الاتصالات الإماراتية تاريخ طويل في اختراق الخصوصية والتجسس، والتحكم بالبيانات من قبل الحكومة الإماراتية داخل الإمارات، وخارجها من خلال تجنيد واستقطاب مهندسي اتصالات وضباط مخابرات سابقين في عدد من البلدان.
في عام 2021، أدانت وزارة العدل الأمريكية ثلاثة عملاء سابقين في المخابرات بالتجسس وتنفيذ عمليات قرصنة داخل الولايات المتحدة لصالح دولة الإمارات. علاوة على ما سبق، أظهرت تسريبات مشروع “بيغاسوس”، أنه وفي العام 2018 قامت الإمارات بالتجسس على أعضاء الحكومة اليمنية والرئيس السابق عبد ربه منصور هادي، وكذلك رئيس الحكومة السابق أحمد عبيد بن دغر، عن طريق برمجيّة “بيغاسوس” الخبيثة بالتعاون مع الشركة الإسرائيلية المطوّرة لها “إن إس أو” (NSO)، والتي تضمّ أشخاصاً كانوا أعضاء في الموساد والجيش الإسرائيلي.
وتجدر الإشارة إلى أن الإمارات تموّل وتدعم “المجلس الانتقالي الجنوبي” المُنادي لانفصال المحافظات الجنوبية، إذ دعمت اليمنيين الجنوبيين في بناء وتشكيل وتمويل جماعات مسلحة خارج إطار وزارتي الدفاع والداخلية.
الأمر الذي عبّر عنه مهندس شبكات الاتصالات محمد المحيميد في دردشة عبر منصّة “إكس” (“تويتر” سابقاً)، بالقول إنّ “بيع المؤسسات الحكومية ووضعها في تصرف شركة إمارتية هو اتفاق تقسيم للبلد، خصوصاً أن الإمارات هي الداعم الأول للانفصاليين، وتسليم شركة ‘عدن نت’ التي تمتلك رمزاً دولياً فرعياً ضمن المفتاح الدولي لليمن (وهو +9678) خاص بها لجهة تدعم الانفصال هو إذن بالانفصال”.
نتيجة الفساد والفشل الحكومي
في تموز/يوليو 2018 وجّه الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي بإنشاء شركة “عدن نت”، بهدف توفير بديل للإنترنت لمنع الاحتكار، وذلك من خلال مزود الخدمة الوحيد حينها “يمن نت”، والتي سيطرت عليها جماعة الحوثيين إبان الانقلاب في أواخر العام 2014.
وبالفعل، خُصّصت 100 مليون دولار من الخزينة العامة لإنشاء “عدن نت”، بهدف تغطية كل المناطق الخاضعة لسلطة الحكومة وتقديم خدمة “فور جي” (4G)، في الوقت الذي كانت فيه “يمن نت” لا توفّر سوى خدمة “ثري جي” (3G).
في السياق، كشفت سلسلة مقابلات أجرتها “سمكس” مع مجموعة مهندسين فضّلوا عدم الإفصاح عن اسمائهم، أنّه وبعد مرور خمس سنوات، لم تستطع “عدن نت” تغطية مدينة عدن، أصغر محافظات الجمهورية.
وذلك بسبب سوء إدارة الشركة ووزارة الاتصالات التابعة للحكومة، التي استقدمت عام 2018 مهندسين من صنعاء لتدريب مهندسي شركة “عدن نت” على كيفية ربط الكابل البحري AAE1، إلا أنّ المدرِّبين كانوا موالين لجماعة الحوثيين، وأقدموا على تشفير الكابل فور عودتهم إلى صنعاء، ليظلّ معطلاً حتى اللحظة، وفق المصادر.
والكابل البحري AAE1 يعتبر من أحدث الكابلات على الإطلاق، حسبما يقول لـ”سمكس” المهندس محمد بايزيد، ويوفّر سعة نقل تصل إلى 40 تيرابت بالثانية، مشيراً إلى أنّ “اليمن ساهم بما يقارب 40 مليون دولار عام 2017 في إنشاء الكابل، وهو أحد أعضاء مجلس إدارة الكابل، وكان من المفترض أن يتم تشغيل هذا الكابل وإدخال خدمة 5G للبلاد على غرار دول المنطقة”.
في الواقع، توثّر هذه المشكلة على سكان المناطق الجنوبية والمناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة المعترف بها، والتي تمثل نسبة 70% من مساحة اليمن.
ويعاني هؤلاء من صعوبة الوصول إلى خدمة الإنترنت بشكل كامل، بسبب قطع الإنترنت المستمر من قبل الحوثيين عن تلك المناطق، عبر التحكم بخوادم “يمن نت”.
وتعتبر خدمة الإنترنت في عدن الأسوأ على الإطلاق، على الرغم من أنّ كابلات الإنترنت التي تربط الشرق بالغرب تمر عبر البحر العربي.
والآن، هل سيكون إضافة شركة إنترنت جديدة لتحسين الخدمة كما تقول الحكومة، أم لزيادة التقسيم وتوزيع بيانات اليمنيين؟
الرابط المختصر https://gulfnews24.net/?p=65387