مع إلقاء القبض على بافيل دوروف، عادت ممارسة دولة الإمارات العربية المتحدة المتمثلة في قوانين الجنسية والإقامة للمستثمرين البارزين إلى الأخبار.
وألقت السلطات الفرنسية القبض على دوروف، الذي يحمل الجنسيتين الفرنسية والإماراتية، في باريس في 24 أغسطس/آب الماضي بتهمة ارتكاب جرائم إلكترونية، وهو ما ينفيه.
وتتضمن التهم الموجهة إليه وإلى تطبيق تيليجرام للمراسلة الذي أسسه في عام 2013، استغلال الأطفال في المواد الإباحية، والاتجار بالمخدرات، والمعاملات الاحتيالية على المنصة.
وأثار اعتقاله نداء من جانب الإمارات التي قالت إنها تسعى إلى توفير خدمات قنصلية “عاجلة” لمواطنها المعتقل.
وسلطت القضية الضوء على وضع مواطنين إماراتيين مثل دوروف، الذي حصل على الجنسية في عام 2021 بعد أن جعل الإمارات موطنه منذ عام 2017. شارك دوروف في تأسيس منصة التواصل الاجتماعي الروسية فكونتاكتي في عام 2006، لكنه باع حصته وغادر روسيا في عام 2014.
وانتقل دوروف إلى الإمارات العربية المتحدة لتطوير تطبيق تيليجرام، وهي منصة مراسلة تتميز بمستويات عالية من التشفير وخصوصية البيانات.
وينضم بذلك إلى مجموعة من الأفراد الذين استفادوا من المزايا المتميزة التي تقدمها دولة الإمارات العربية المتحدة لهم من حيث الإقامة طويلة الأمد والجنسية.
ولا يسمح قانون الإمارات عادة بالجنسية المزدوجة، إلا أن التعديلات التي أدخلت على قوانين الدولة في عام 2021 تسمح للأشخاص ذوي المستويات العالية من الاستثمار والمواهب الخاصة بالحصول على الجنسية الإماراتية بشرط مراعاة أحكام خاصة.
ويشجع القانون الأفراد ذوي الثروات الكبيرة وكذلك الفنانين والعاملين في المهن الطبية أو الهندسية على أن يصبحوا مواطنين إماراتيين.
وقال ماركو موساد، وهو باحث غير مقيم في مجلس سياسة الشرق الأوسط ومقره واشنطن العاصمة، لموقع المونيتور: “تهدف الإمارات العربية المتحدة إلى نقل رسالة إلى العالم مفادها أنها ملتزمة بحماية مواطنيها، بغض النظر عن مكان وجودهم. يساعد هذا النهج في جذب الأفراد الموهوبين إلى الإمارات العربية المتحدة لممارسة الأعمال التجارية”.
نقل دوروف، الذي باع حصته في فكونتاكتي مقابل ما يقدر بنحو 3-4 مليارات دولار، أصوله إلى الإمارات العربية المتحدة، حيث قام بتنمية إمبراطوريته في تيليجرام.
وتحافظ شركة تيليجرام على مستوى منخفض من الظهور في الإمارات، حيث يُطلب من موظفيها عدم الكشف عن هوياتهم وعدم التواجد على مواقع التواصل الاجتماعي المهنية مثل لينكد إن.
وقد نجح دوروف في زيادة عدد مشتركي تيليجرام إلى 900 مليون مشترك في وقت سابق من هذا العام. وبينما كان يفكر في طرح عام محتمل للشركة، قال دوروف إن المستثمرين يقدرون قيمة شركته بنحو “أكثر من 30 مليار دولار”.
ويعد اعتقاله هو الأبرز بين رجال الأعمال في مجال التكنولوجيا، مما يجعل قيمته كمستثمر كبير في اقتصاد الإمارات العربية المتحدة أكثر أهمية.
وقال ستيفن فالون، الباحث في جامعة كامبريدج”: “إنهم سيخرجون للدفاع عنه، وسيفعلون ما يتعين عليهم فعله”.
كما يثير اعتقال دوروف مخاوف بشأن مشاركة الشركة للبيانات مع الحكومات. وباعتباره مدافعًا عن حرية التعبير، رفض دوروف بشكل قاطع مشاركة معلومات المستخدمين والاستخبارات مع الدول، وخاصة روسيا، وهي السياسة التي دفعته إلى مغادرة وطنه.
وقالت الموساد إن “تطبيق تيليجرام أصبح مستودعا للمعلومات الحساسة ذات الصلة بالأمن القومي للعديد من البلدان، وذلك إلى حد كبير بسبب ميزاته”.
ومن بين الميزات التي خضعت للتدقيق من قبل السلطات الفرنسية، قدرتها على استضافة ما يصل إلى 200 ألف عضو في مجموعات، ومشاركة الروابط والملفات الكبيرة دون قيود، مع الحد الأدنى من الإشراف من قبل تيليجرام.
وقد سمحت ميزاته الفريدة في السابق للجماعات الإرهابية، مثل تنظيم الدولة الإسلامية وغيره، وكذلك تجار المخدرات والبشر، باستخدام المنصة على نطاق واسع. وستكون المعلومات المخزنة والمنتشرة على التطبيق ذات قيمة لا تقدر بثمن بالنسبة للدول التي تسعى للحصول على معلومات استخباراتية عن مجموعات ومستخدمين معينين.
واحتلت الإمارات المرتبة 18 من أصل 100 دولة في مجال الحرية العالمية والمرتبة 30 في مجال حرية الإنترنت في عام 2024، وفقًا لمنظمة فريدوم هاوس، مما يجعل وجود دوروف ودفاعه عن حرية التعبير والإنترنت الليبرالي في الإمارات العربية المتحدة أمرًا شاذًا.
وأشار الموساد إلى أن دوروف قال في وقت سابق إنه لن يمتثل للحكومات إلا عندما يطلب منه القانون ذلك، على الرغم من مقاومة ضغوط موسكو لمشاركة البيانات.
وقال الموساد “في فرنسا، سيكون هذا بموجب قانون الخدمات الرقمية للاتحاد الأوروبي لعام 2022، الذي يفرض على شركات وسائل التواصل الاجتماعي مشاركة المعلومات الحاسمة. لذلك، من المرجح أنه لن يشارك المعلومات الاستخباراتية مع الإمارات العربية المتحدة إلا إذا كان القانون يتطلب ذلك صراحة، وحتى في هذه الحالة، فإنه سيفعل ذلك على الحد الأدنى الضروري”.
ويعد دوروف واحدًا من بين العديد من المقيمين الذين شجعتهم دولة الإمارات على جعل البلاد موطنهم.
وجد إريك برينس، الرئيس التنفيذي السابق لشركة بلاك ووتر، الذي أقام في أبوظبي وعرض خدمات أمنية خاصة على الإمارات، نفسه في موقف مماثل لدوروف.
إذ اتهمت محكمة نمساوية في عام 2023 برينس، وهو شخصية مثيرة للجدل ومؤيد قوي للرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، بارتكاب جريمة تصدير طائرة رش محاصيل معاد تصنيعها لأغراض عسكرية. وقد تمت تبرئته لاحقًا من جميع التهم.
الرابط المختصر https://gulfnews24.net/?p=67624