قطر في قلب الدبلوماسية الدولية: وساطات مكثفة من غزة إلى كابول

في تقرير جديد لشبكة سي إن إن الأمريكية، وُصفت وزارة الخارجية القطرية بأنها واحدة من أكثر المؤسسات الدبلوماسية انشغالاً في العالم، في ضوء أدوارها المحورية في عدد من الأزمات الإقليمية والدولية، كان أبرزها في الآونة الأخيرة الحرب الإسرائيلية المستمرة على قطاع غزة.

فمنذ اندلاع العدوان الإسرائيلي على القطاع في أكتوبر الماضي، برزت قطر كفاعل رئيسي في مساعي التهدئة، مركزة جهودها على ملف إطلاق سراح الأسرى، ودفع المفاوضات غير المباشرة بين إسرائيل وحركة حماس. وتشير الشبكة الأمريكية إلى أن الدوحة، بالشراكة مع مصر، كثّفت هذا الأسبوع تحركاتها لمحاولة تأمين الإفراج عن عيدان ألكسندر، آخر الأسـرى الأمريكيين الذين ما زالوا على قيد الحياة في غزة، في وقت تتعثر فيه محادثات وقف إطلاق النار.

وتحافظ قطر منذ سنوات على قنوات اتصال مفتوحة مع الفصائل الفلسطينية، وعلى رأسها حركة حماس، ما أتاح لها لعب دور الوسيط الموثوق في عدة مراحل من التصعيد بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي. ومع دخول الحرب شهرها الثامن، ازدادت الضغوط الدولية على الوسطاء الإقليميين، لا سيما الدوحة والقاهرة، لإنهاء الأزمة التي تسببت في كارثة إنسانية غير مسبوقة في القطاع المحاصر.

وتتجاوز الجهود القطرية الجانب التفاوضي إلى الدعم المالي والإنساني. فقد قدّمت الدوحة مليارات الدولارات كمساعدات مباشرة للمدنيين الفلسطينيين، بما يشمل تمويل برامج إغاثية، ودفع رواتب موظفين في غزة، وتوفير الوقود والخدمات الأساسية. ويُنظر إلى هذه المساعدات على أنها شريان حياة أساسي في ظل الحصار الإسرائيلي المستمر والانهيار الكامل في الخدمات الصحية والبنية التحتية في القطاع.

لكن دور قطر لا يقتصر على الساحة الفلسطينية. ففي أغسطس 2021، لعبت الدولة الخليجية دوراً رئيسياً في عمليات إجلاء عشرات الآلاف من المواطنين الأجانب والأفغان من كابول، بعد الانسحاب الأمريكي السريع وسقوط الحكومة الأفغانية. وقد استقبلت الدوحة آلاف اللاجئين مؤقتاً، وساهمت في تسهيل عبورهم إلى دول ثالثة، مما عزز موقعها كشريك موثوق للولايات المتحدة وحلفائها في الملفات الحساسة.

ويقول محللون إن قطر تمارس نوعاً من “الدبلوماسية المتعددة المسارات”، حيث تجمع بين علاقاتها الوثيقة مع الغرب، خصوصاً واشنطن، من جهة، وصلاتها القوية مع قوى غير حكومية كحماس وطالبان من جهة أخرى. هذا التوازن الفريد مكّنها من لعب أدوار يصعب على قوى إقليمية أخرى تأديتها، خصوصاً في أوقات الأزمات.

وتأتي هذه التحركات القطرية في وقت يشهد فيه المشهد الإقليمي توترات غير مسبوقة، من الحرب الإسرائيلية على غزة، إلى التهديدات المتصاعدة في البحر الأحمر، وغياب توافقات عربية بشأن الملفات الساخنة. وفي ظل هذا الواقع، تبرز قطر كلاعب دبلوماسي نشط، يراكم الخبرات ويعزز نفوذه من خلال أدوات الوساطة والإنفاق الإنساني.

ويختم تقرير سي إن إن بالإشارة إلى أن وتيرة النشاط القطري في الأشهر الأخيرة تعكس سياسة خارجية تستند إلى الحضور المكثف في الملفات المعقدة، واستثمار العلاقات المتشعبة لخلق دور محوري في لحظات الانسداد السياسي الإقليمي والدولي.

قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.