قطر تسعى لتحويل الدوحة إلى “وول ستريت” الشرق الأوسط

في خطوة استراتيجية تهدف إلى ترسيخ مكانة الدوحة كمركز مالي إقليمي بارز، بدأت قطر تنفيذ خطة طموحة تستهدف جذب كبريات شركات “وول ستريت” والمؤسسات المالية العالمية عبر تقديم حوافز مالية سخية، وتسهيلات تنظيمية، وتوسيع بيئة الأعمال في قلب العاصمة.

ففي تصريحات صحفية على هامش منتدى قطر الاقتصادي، كشف الشيخ علي الوليد آل ثاني، الرئيس التنفيذي لـ”استثمر في قطر”، أن بلاده تعرض على شركات الاستثمار الكبرى دعمًا مباشرًا لتأسيس مكاتبها في الدوحة، بما يشمل تغطية جزء من تكاليف التأسيس ورواتب الموظفين لمدة تصل إلى خمس سنوات، ضمن مبادرة واسعة بقيمة مليار دولار تحت عنوان “حزمة الخدمات المالية في لوسيل”.

من الوساطة السياسية إلى التمويل العالمي
لطالما عُرفت قطر بدورها الدبلوماسي في المنطقة، إذ لعبت دور الوسيط في ملفات معقدة كأفغانستان وفلسطين، لكنها اليوم تراهن على مكانة جديدة، تسعى من خلالها للانتقال من ساحة التفاوض السياسي إلى ميدان المال العالمي. ويأتي هذا التوجه في أعقاب استثمارات تجاوزت 300 مليار دولار خصصتها قطر لتحديث بنيتها التحتية استعدادًا لاستضافة كأس العالم 2022، وهو الحدث الذي اعتبره رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، بمثابة “الطرح العام الأولي” لقطر على الساحة العالمية.

صندوق الثروة السيادي: رافعة التحول المالي
يلعب “جهاز قطر للاستثمار”، أحد أكبر صناديق الثروة السيادية في العالم بقيمة تقدر بنحو 524 مليار دولار، دورًا محوريًا في هذه الاستراتيجية. فبحسب مصادر مطلعة، يعكف الصندوق على استخدام نفوذه العالمي لتشجيع صناديق الاستثمار المباشر والبنية التحتية على فتح مكاتب إقليمية في قطر، كما أطلق مؤخرًا ما يُعرف بـ”صندوق الصناديق”، الذي يوفر تمويلًا تأسيسيًا لشركات رأس المال المغامر الراغبة في التوسع في السوق القطري.

وقد بدأت بعض الشركات بالفعل في الاستجابة لهذا التوجه. فقد أعلنت شركة “آشمور” البريطانية المتخصصة في الأسواق الناشئة عن نيتها فتح مكتب في الدوحة، كما سبقتها “غلوبال إنفراستركتشر بارتنرز” التابعة لشركة بلاك روك. وانضمت إليهما شركة “بي كابيتال”، التي أسسها إدواردو سافيرين، أحد مؤسسي “فيسبوك”، والمستثمر راج جانغولي.

بيئة أعمال محفزة ونهج مختلف عن الرياض
وفي ظل ما تعتبره بعض الشركات الأجنبية مناخًا أكثر مرونة من نظيره السعودي، تؤكد قطر أنها تركز على تقديم الحوافز وليس فرض الشروط. ففي حين تلزم المملكة العربية السعودية الشركات العالمية بافتتاح مكاتب إقليمية للحصول على العقود الحكومية، تتبع قطر نهجًا تشجيعيًا، حيث تتيح للشركات تغطية تصل إلى 40% من نفقات الاستثمار المحلي عند التمركز في مدينة لوسيل، الحاضنة الجديدة للقطاع المالي.

وقال الشيخ علي الوليد إن قطر لا تحاول التنافس مع الإمارات أو السعودية من باب التقليد، بل عبر التركيز على نقاط تميزها، مستشهدًا بتوسع عدد من الشركات التي بدأت عملياتها في أبوظبي أو دبي، ثم قررت فتح فروع لها في الدوحة مع نمو حجم الأعمال في قطر.

تحديات المنافسة الإقليمية
رغم الزخم المتصاعد، لا تزال قطر تواجه تحديات كبيرة مقارنة بمراكز مالية إقليمية راسخة مثل دبي وأبوظبي، التي توفر مزايا الإقامة طويلة الأمد، وخيارات الحياة الفاخرة، وبنية تحتية متقدمة جذبت بالفعل آلاف الشركات العالمية. كما أن بعض المؤسسات الاستثمارية قد تتردد في فتح مكاتب جديدة في قطر ما لم يكن هناك مبرر واضح من حيث حجم السوق أو وفرة الفرص.

لكن المسؤولين القطريين يراهنون على أن تسارع الاستثمارات في قطاع الغاز الطبيعي المسال، والاستقرار السياسي النسبي، والنمو في قطاعات مثل التكنولوجيا، واللوجستيات، والسياحة الطبية، كلها عوامل يمكن أن تدفع الشركات لتغيير نظرتها التقليدية نحو السوق القطري.

إشارات إيجابية من كبار المستثمرين
في المنتدى الاقتصادي، قال خالد العبيدلي، رئيس هيئة تنظيم العقارات في قطر، إنه التقى ممثلين عن شركات عالمية مثل “بلاكستون” و”بروكفيلد” و”جهاز قطر للاستثمار” بهدف التعرف إلى خططهم الاستثمارية وتوفير البيئة التنظيمية المناسبة لها.

أما جيف بلاو، الرئيس التنفيذي لشركة “ريليتد كوس” الأميركية، فكشف عن مشاريع تطوير عقاري في السعودية والإمارات، مضيفًا: “أعتقد أننا أبرمنا صفقة في الكواليس لبناء فندق في الدوحة”، في إشارة إلى أن قطر بدأت بالفعل في جذب استثمارات ذات قيمة عالية في قطاع الضيافة أيضًا.

في النهاية، تسعى قطر إلى ترسيخ نفسها كمركز مالي جاذب لا يعتمد فقط على الثروة الغازية، بل على بيئة أعمال حديثة ومنفتحة. ومع تسارع الأحداث الإقليمية وتنافس العواصم الخليجية على التموضع المالي، فإن نجاح هذا المشروع سيعتمد على قدرة الدوحة على تقديم نموذج مختلف ومستدام، لا يكتفي بالإنفاق بل يبني مؤسسات وثقة طويلة الأمد.

قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.