قالت مجلة فورين أفيرز الأمريكية إن النظام في إيران بات حالياً في موقع دفاعي، وأكثر عرضة داخليا ومكشوفا خارجيا أكثر من أي وقت منذ الثورة الإسلامية عام 1979.
وذكرت المجلة أنه قبل هجوم حركة “حماس” الفلسطينية في 7 أكتوبر 2023 على إسرائيل، والحرب متعددة الجبهات التي شنتها إسرائيل بعدها على مصالح إيران، كانت استثمارات طهران الضخمة في ترسانتها الصاروخية، وبرنامجها النووي، وشبكة وكلائها الإقليميين قد قيّدت بشكل حاد استراتيجية الولايات المتحدة تجاه الشرق الأوسط.
وبحسب المجلة ظل محللو السياسات في واشنطن، المتخصصون في الشأن الإيراني، منقسمين حول مزيج الأدوات الذي يمكن أن يردع عدوان إيران بشكل فعال، لكنهم اتفقوا عمومًا على أنه إذا تم الضغط على طهران بشدة، فإنها تحتفظ بمجموعة من خيارات الانتقام التي قد تؤدي إلى حرب شاملة.
وأوضحت أن أربعة رؤساء أمريكيين متعاقبين — جورج بوش الابن، باراك أوباما، دونالد ترامب في ولايته الأولى، وجو بايدن — استقروا جميعًا على استخدام الدبلوماسية والعقوبات لأغراض الردع، ولم يصرّحوا مطلقًا بشن ضربات عسكرية داخل الأراضي الإيرانية.
لكن النجاحات العملياتية الإسرائيلية نسفت تلك الافتراضات — وفتحت نافذة فرصة لإنهاء تفكيك شبكة التهديدات الإيرانية في المنطقة، وبناء شرق أوسط أكثر أمنًا واستقرارًا.
تم قتل قادة أساسيين عبر ما يُسمّى “محور المقاومة” الإيراني، وتم إخراج عشرات الآلاف من المقاتلين المدعومين من إيران من ساحة المعركة. وتم تدمير ترسانات هذا المحور، كما أضعفت إسرائيل المجمع الصناعي العسكري الإيراني الذي كان يُعيد تزويدهم بالسلاح.
وعندما فر الرئيس السوري بشار الأسد من دمشق في ديسمبر، فقد قادة طهران حليفًا رئيسيًا ساعدهم في تحويل سوريا إلى محور عبور يستخدمونه لإعادة تزويد ميليشياتهم بالأسلحة، الأموال، والمقاتلين.
وكان هجومان صاروخيان باليستيان نفذتهما إيران على إسرائيل في عام 2024 فاشلين، مما قوض رادعها وأضعف معنويات مجموعاتها التابعة، وشكك في جدوى طهران كراعٍ لتلك الجماعات.
لقد تم تهيئة المسرح الآن من أجل إطار سياسي جديد يمكن أن يُصلح ويقوّي البيروقراطيات الفاسدة والضعيفة التي اعتمدت عليها إيران، ويستبدل القادة المتأثرين بالنفوذ الإيراني.
واعتبرت المجلة أنه لا يمكن ترك منع إيران من استعادة قوتها التخريبية في الشرق الأوسط لإسرائيل وحدها، التي تفتقر إلى الموارد، وهيكل التحالف، والخبرة المتراكمة بعد النزاع لضمان نظام إقليمي جديد وأكثر سلمًا. ولا يمكن للقوة العسكرية وحدها منع إيران من إعادة ترسيخ نفوذها. وحده المسار السياسي قادر على ذلك — والولايات المتحدة هي الأفضل تموضعًا لقيادة الطريق.
لكن الخطوات التي اتخذها ترامب في الأشهر الأولى من ولايته الثانية ستجعل من الصعب على واشنطن اغتنام هذه الفرصة التاريخية.
قد يعتقد ترامب أن تفكيك السلك الدبلوماسي لوزارة الخارجية وفرق المساعدات الخارجية، وتجنب التعامل مع الحكومة الجديدة في سوريا، وفرض عقوبات جديدة على إيران، وتصعيد الضربات العسكرية ضد وكلاء إيران في اليمن، يُركز الاستراتيجية الأمريكية ويُشير إلى عودة حملة “الضغط الأقصى” التي استخدمها في ولايته الأولى ضد إيران.
لكن مقاربة تعتمد على أداة واحدة من أدوات السياسة الخارجية — العمل العسكري — لن تمكّن الولايات المتحدة من استثمار ضعف إيران.
بدلاً من ذلك، ينبغي على ترامب أن يدمج الإجراءات الصارمة مع دبلوماسية خلاقة تتجاوز مجرد إجراء مكالمات مع رؤساء الدول والسعي لعقد صفقات مرئية علنًا.
والولايات المتحدة، وإسرائيل، والعديد من الدول العربية لديها الآن هدف مشترك يتمثل في تحرير الشرق الأوسط من نفوذ إيران — وهو توافق نادر. تحتاج واشنطن إلى جمع هؤلاء الأطراف لوضع مخطط واقعي لحوكمة غزة وأمنها وإعادة إعمارها.
ويجب عليها أن توضح الاستثمارات طويلة الأجل التي ستقدمها لأمن الشرق الأوسط. وبدلاً من تجميد المساعدات، يجب أن تضع استراتيجية واضحة لتحقيق الاستقرار في المنطقة والاستجابة لاحتياجات شعوبها، تجعل من الموارد المتاحة أكثر، لا أقل، لمواجهة الشبكات التي غذّت النفوذ الإيراني طويلًا.
من دون مثل هذه الاستراتيجية، لن يكون الشرق الأوسط قادرًا على ترسيخ المكاسب العسكرية الإسرائيلية ضد إيران. قادة طهران يتحركون بالفعل لاستعادة قوتهم المفقودة: أشارت بعض التحليلات، على سبيل المثال، إلى أن الجمهورية الإسلامية ساعدت في تأجيج العنف الطائفي الذي اندلع في سوريا في مارس.
ورغم نفي طهران القاطع، فإنها تستفيد من وجود حكومة ضعيفة في دمشق. لقد برزت فرصة حقيقية لوضع الشرق الأوسط على مسار مختلف. لكن إذا أهملت الولايات المتحدة هذه الفرصة القيادية، فقد لا تتكرر لأجيال.
الرابط المختصر https://gulfnews24.net/?p=71315