“فلاي دبي” تستأنف رحلاتها إلى دمشق في مؤشر جديد على عودة التطبيع

في خطوة تعكس تسارع وتيرة إعادة العلاقات الطبيعية بين دمشق وبعض العواصم العربية، أعلنت شركة “فلاي دبي” الإماراتية أنها ستستأنف رحلاتها المباشرة إلى العاصمة السورية اعتبارًا من الأول من يونيو/حزيران 2025، وذلك بعد انقطاع دام أكثر من 12 عامًا منذ اندلاع الحرب الأهلية السورية عام 2011.

وتعد هذه المرة الأولى التي تُسيّر فيها الشركة المملوكة لحكومة دبي رحلات منتظمة إلى سوريا منذ قطع العلاقات الجوية معها بسبب النزاع الدامي الذي أسفر عن مقتل مئات الآلاف وتشريد الملايين. ويأتي القرار في أعقاب إعلان الهيئة العامة للطيران المدني الإماراتي السماح بإعادة تشغيل الخط الجوي بين البلدين، ما يفتح الباب أمام مرحلة جديدة من التعاون في مجالات النقل والسياحة والتجارة، رغم العقوبات الدولية المفروضة على النظام السوري.

عودة تدريجية للحركة الجوية
القرار الإماراتي ليس معزولًا. فقد شهدت الأشهر الماضية مؤشرات متزايدة على استئناف الحركة الجوية بين سوريا والإمارات، حيث أقلعت في يناير/كانون الثاني الماضي رحلة تابعة للخطوط الجوية السورية من دمشق إلى مطار الشارقة وعلى متنها 145 راكبًا، تبعتها رحلة أخرى في أبريل/نيسان إلى دبي. ومع عودة “فلاي دبي”، تصبح الرحلات اليومية إلى دمشق جزءًا من شبكة الخطوط الجوية التجارية النشطة في المنطقة.

وستُقلع الرحلة اليومية رقم FZ 115 من مبنى رقم 2 في مطار دبي الدولي في الساعة 6:30 صباحًا بتوقيت الإمارات، لتصل إلى مطار دمشق الدولي في الساعة 8:45 صباحًا بالتوقيت المحلي. فيما تغادر الرحلة العائدة رقم FZ 116 من دمشق في العاشرة صباحًا، لتصل إلى دبي الساعة 2:20 ظهرًا.

خدمة درجتي رجال الأعمال والسياحية
وتوفر “فلاي دبي” مقاعد في درجتي رجال الأعمال والدرجة السياحية، في خطوة تهدف إلى استقطاب شرائح متنوعة من المسافرين، من السوريين المقيمين في الإمارات والخليج، إلى رجال الأعمال الذين يراقبون فرص الانفتاح الاقتصادي المحدود في سوريا، رغم التحديات الكبرى التي تواجه اقتصادها.

وقال غيث الغيث، الرئيس التنفيذي للشركة، في بيان رسمي: “تتمتع دمشق بأهمية ثقافية وتاريخية خاصة في المنطقة، ونحن سعداء بخدمة المدينة مرة أخرى برحلات يومية مباشرة، مما يسلط الضوء على التزامنا بدعم جهود دولة الإمارات لتعزيز الربط الإقليمي”.

من جهته، أكد جيهون أفندي، نائب الرئيس الأول للعمليات التجارية في الشركة، أن استئناف الخدمة جاء بعد “العمل عن كثب مع الجهات المعنية لضمان استيفاء جميع المعايير التشغيلية”، لافتًا إلى أن توقيت الإطلاق يتزامن مع عطلة عيد الأضحى المبارك وذروة موسم السفر الصيفي.

زيارة الأسد للإمارات وتكثيف التطبيع
استئناف الرحلات الجوية بين الإمارات وسوريا لا يمكن فصله عن التطورات السياسية الأخيرة، خصوصًا زيارة الرئيس السوري بشار الأسد إلى الإمارات في أبريل/نيسان الماضي، وهي الزيارة الأولى له منذ اندلاع الحرب. والتقى خلالها الرئيس الإماراتي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، في لقاء وصفته وسائل إعلام البلدين بـ”التاريخي”.

وكانت الإمارات من أوائل الدول العربية التي بادرت إلى إعادة فتح سفارتها في دمشق عام 2018، لكنها سرّعت من خطوات التطبيع في الأعوام الأخيرة، خاصة بعد زلزال فبراير 2023 الذي ضرب شمال سوريا، حيث استغلت أبوظبي جهود الإغاثة لتعزيز حضورها السياسي والاقتصادي داخل البلاد.

التطبيع رغم العقوبات
تأتي هذه الخطوة في وقت لا تزال فيه سوريا خاضعة لعقوبات أميركية وأوروبية صارمة، أبرزها قانون “قيصر” الأميركي، الذي يفرض قيودًا قاسية على أي جهة تتعامل مع النظام السوري أو تشارك في إعادة الإعمار. ورغم ذلك، بدأت بعض العواصم العربية، وخاصة الخليجية، تتعامل مع الملف السوري بمنظور “إعادة الاحتواء” بدلًا من العزل، وسط تراجع زخم الدعم الدولي للمعارضة السورية وتغير أولويات السياسة الإقليمية.

ويُنظر إلى استئناف الرحلات التجارية كجزء من محاولة أوسع لإعادة دمج النظام السوري في النظام الإقليمي، وهو ما تجلّى بإعادته إلى مقعده في جامعة الدول العربية عام 2023 بعد أكثر من عقد من تعليق عضويته.

اعتبارات اقتصادية وشعبية
تحتل سوريا موقعًا جغرافيًا مهمًا في قلب المشرق العربي، كما أن الجالية السورية في الإمارات تعد من أكبر الجاليات العربية من حيث العدد والنشاط الاقتصادي. ويرى مراقبون أن استئناف الرحلات من شأنه تسهيل تنقل العائلات، وتيسير حركة رجال الأعمال، وكذلك دعم النشاط التجاري المتبادل، لا سيما في ظل الحديث عن فرص إماراتية محتملة في قطاعات الاتصالات، والطاقة، والبنية التحتية داخل سوريا.

مع ذلك، تظل البيئة السورية محفوفة بالمخاطر، من الناحية الأمنية والاقتصادية، وسط استمرار النزاع في بعض المناطق، وانهيار العملة المحلية، وانتشار الفساد في مفاصل الدولة.

بينما تصف “فلاي دبي” قرارها بأنه استجابة لطلب السوق وربط إقليمي مشروع، يقرأه آخرون على أنه مؤشر واضح على التحولات في السياسة الخارجية الإماراتية، التي تتبنى نهج الانخراط الاقتصادي والدبلوماسي مع أنظمة ما بعد الربيع العربي، بمنطق النفوذ والاستثمار طويل الأمد، أكثر من رهانات التغيير السياسي أو التحول الديمقراطي.

قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.