وصفت صحيفة فايننشال تايمز البريطانية دولة قطر بأنها الطرف المحوري الأهم في الحرب على غزة، مبرزة أن الدور الذي تلعبه الدوحة في الحرب يجلب الثناء الدولي.
وأشارت فايننشال تايمز إلى توجه وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن إلى قطر لتأمين دعم الدوحة في إطلاق سراح الرهائن الذين احتجزتهم حماس ومنع تصاعد حرب الجماعة المسلحة مع إسرائيل إلى صراع إقليمي.
وفي اليوم التالي، وصل كبير الدبلوماسيين الإيرانيين حسين أمير عبد اللهيان إلى الدولة الخليجية، وأدان إسرائيل وحذر من أن قصفها لغزة يهدد بتوسيع نطاق الصراع.
ثم التقى أمير عبد اللهيان بإسماعيل هنية، الزعيم السياسي لحركة حماس المقيم في الدوحة، وأشاد بـ”الانتصار الفلسطيني”، في إشارة إلى الهجوم الذي نفذته الحركة في السابع من أكتوبر والذي أدى إلى اندلاع الحرب.
أكدت الزيارات التي تمت هذا الشهر، إلى جانب سلسلة من المكالمات الهاتفية مع زعماء العالم، كيف أصبحت قطر مرة أخرى على خطوط الدبلوماسية الأمامية لأزمة دولية – وهو الدور الذي جلب الثناء والتدقيق للدولة الغنية بالغاز.
في الأسابيع التي تلت هجوم حماس المميت الذي أدى إلى الحرب مع إسرائيل، تحول القادة الغربيون إلى قطر كمحاورهم الرئيسي لتأمين إطلاق سراح أكثر من مائتي شخص، بما في ذلك مواطنون اميركيون واوربيون اعتقلتهم الجماعة المسلحة، وكانت جهودها ناجحة حتى الان.
فقد أطلقت حماس سراح أربعة رهائن مدنيين بوساطة قطرية، مما أكسبها امتنان الرئيس الأمريكي جو بايدن، وقالت مصادر مطلعة على المحادثات إن الدوحة تعمل الآن على التوصل إلى اتفاق لتأمين حرية نحو خمسين آخرين.
وتبرز قطر لأنها استضافت المكتب السياسي لحماس منذ عام 2012، وضخت مئات الملايين من الدولارات من المساعدات إلى غزة، وهي واحدة من الدول القليلة التي تتمتع بعلاقات جيدة مع الولايات المتحدة وإيران.
وقد أمضت الدوحة العقد الماضي في القيام بدور الوسيط، حيث سعت إلى استخدام استعدادها للتحدث مع من يتردد الآخرون في التحدث معهم، وإظهار نفسها على أنها “حل المشاكل” على المستوى الدولي.
ويشكل هذا جزئيا مؤشرا على طموحات الدولة الغنية التي سعت منذ فترة طويلة إلى تحقيق مكاسب تفوق وزنها، لكن قطر تنظر أيضًا إلى جهودها الدبلوماسية باعتبارها جزءًا لا يتجزأ من استراتيجيتها الأمنية.
وتدرك الدوحة نقاط ضعفها في منطقة مضطربة محاطة بجيران أكبر، والحاجة إلى ضمان أهميتها بالنسبة للولايات المتحدة والقوى الأخرى، وهي الاستراتيجية التي دفعت الدوحة إلى المشاركة في عدد لا يحصى من المفاوضات.
فقد استضافت قطر مكتبًا لطالبان منذ عام 2013، وكان لها دور حيوي في إجلاء الأفغان الذين عملوا مع الولايات المتحدة وكيانات التحالف، بالإضافة إلى آخرين معرضين لخطر الانتقام بعد انسحاب الولايات المتحدة الفوضوي من أفغانستان قبل عامين.
وخلال هذا الشهر توسطت في اتفاق لإعادة أربعة أطفال أوكرانيين إلى عائلاتهم بعد انفصالهم خلال الغزو الروسي لأوكرانيا.
ولعبت قطر الشهر الماضي دورًا فعالًا في صفقة تبادل الأسرى بين الولايات المتحدة وإيران، والتي أدت إلى قيام واشنطن بالإفراج عن ستة مليارات دولار من أموال النفط الإيرانية، وتم تحويل الأموال إلى حسابات في الدوحة حيث تتم مراقبتها للتأكد من أنها تستخدم فقط للسلع التي لا تشملها العقوبات.
كما سهلت محادثات سرية بين إدارة بايدن ونيكولاس مادورو على أمل التوسط في اتفاق يوافق بموجبه رئيس فنزويلا على إجراء انتخابات حرة ونزيهة وإطلاق سراح السجناء السياسيين مقابل تخفيف العقوبات الأمريكية، حسبما قال شخص مطلع على المحادثات.
وصنف بايدن الدولة الخليجية، التي تستضيف أيضًا أكبر قاعدة عسكرية أمريكية في المنطقة، حليفًا رئيسيًا من خارج الناتو العام الماضي.
ولطالما دعمت قطر القضية الفلسطينية، لكن جيرانها اتهموا الدوحة في الماضي برعاية وتمويل جماعات إسلامية في أنحاء المنطقة، وكان هذا جزءًا من التبرير الذي استخدمته السعودية والإمارات في عام 2017 عندما قادتا حصارًا إقليميًا على قطر لأكثر من ثلاث سنوات، ونفت الدوحة هذه الاتهامات.
ويقول المسؤولون القطريون إن الدولة لا ترعى أو تمول حماس، لكنها وافقت على استضافة المكتب السياسي بعد أن طلبت الولايات المتحدة منها فتح قناة اتصال مع الحركة قبل أكثر من عقد من الزمن، وكان زعماء حماس السياسيون يقيمون في السابق في دمشق، لكنهم غادروا مع اندلاع الحرب الأهلية في سوريا.
ويقول مسؤول قطري إن واشنطن طلبت من الدوحة فتح قنوات غير مباشرة في عام 2006، بعد فوز حماس في الانتخابات الفلسطينية، وفي العام التالي، سيطرت الحركة على القطاع بعد صراع داخلي مع فتح، وهي فصيل فلسطيني منافس.
وكانت الدوحة أيضًا واحدة من الجهات المانحة الرئيسية لغزة على مدار العقد الماضي، حيث أنفقت 10 ملايين دولار شهريًا لتقديم الدعم لأفقر 100 ألف أسرة في القطاع المحاصر، ودفع رواتب موظفي الخدمة المدنية، مثل المعلمين والأطباء، كما أنها توفر التمويل لتزويد القطاع بالكهرباء.
وقال مسؤول قطري “[سكان غزة] غير قادرين على بناء اقتصاد محلي قوي، فما هو البديل؟”، وأضاف المسؤول أنه تم تنسيق الدعم من خلال وكالات الأمم المتحدة وإسرائيل، مع تمتع الحكومة الإسرائيلية “بإشراف كامل” على المساعدات.
ولا تقيم قطر علاقات رسمية مع إسرائيل، لكنها افتتحت مكتبا تجاريا إسرائيليا في الدوحة، والذي تم إغلاقه بعد حرب 2008-2009 بين إسرائيل وحماس.
وقال المسؤول: “مع كل الوساطات التي نشارك فيها، لا ينبغي الخلط بين الحوار والتأييد” مضيفًا “إننا نتحدث إلى مجموعات مختلفة لأننا نؤمن بأن قنوات الاتصال المفتوحة هي الطريقة الوحيدة لبناء الثقة وحل الخلافات، والبديل هو المزيد من المعاناة على جميع الأطراف”.
الرابط المختصر https://gulfnews24.net/?p=65906