أبرزت صحيفة فايننشال تايمز أن علاقات جاريد كوشنر صهر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مع المملكة العربية السعودية وإسرائيل تثير مخاوف تضارب المصالح.
وذكرت الصحيفة أنه في صيف عام 2021، كان جاريد كوشنر يستمتع برحلة بحرية مع عائلته في البحر الأبيض المتوسط، بعد أشهر قليلة من انتهاء الولاية الأولى العاصفة لحماه، دونالد ترامب.
وبينما كانوا يرسون قبالة الساحل الألباني، طلب كوشنر من صديق المساعدة في ترتيب لقاء على قاربه مع رئيس وزراء ألبانيا، إيدي راما.
خلال العشاء، توطدت علاقة راما مع كوشنر، حيث تحدثا عن سواحل ألبانيا الخلابة التي غالبًا ما يتجاهلها السياح الأثرياء المتنقلون بين إيطاليا والجزر اليونانية. يقول راما: “لم يذكر كوشنر أي استثمارات، كان يسأل فقط عن ألبانيا… عمليًا، لم يكن لديهم أي فكرة عن تاريخ ألبانيا”. غادر كوشنر وعائلته في اليوم التالي.
وعندما التقيا مرة أخرى في دافوس بعد بضعة أشهر، قال راما إن كوشنر أخبره أنه أحب ألبانيا. وأوضح راما أن كوشنر التقى بمحمد العبار، المستثمر الخليجي الملياردير الذي يقوم بتطوير مارينا فاخرة في ميناء دوريس الألباني، وتحدثا عن إمكانيات الاستثمار. وأضاف راما: “قلت له إن ذلك سيكون رائعًا”.
في صيف عام 2023، زار كوشنر ألبانيا مرة أخرى، ولكن هذه المرة مع وفد أكبر، بما في ذلك ريتشارد غرينيل، الحليف المقرب من ترامب الذي خدم كممثل له في البلقان خلال ولايته الأولى. يقول راما: “بقوا حوالي أسبوع، وزاروا عدة مواقع”. وأضاف: “هذه المرة، كان كوشنر مباشرًا: ‘نحن مهتمون بالاستثمار”.
في 30 ديسمبر من العام الماضي، قبل ثلاثة أسابيع فقط من تنصيب ترامب لولايته الثانية، وافقت الحكومة الألبانية مبدئيًا على أن يطور كوشنر منتجعًا فاخرًا بقيمة 1.4 مليار دولار في جزيرة سازان، الجزيرة الألبانية الوحيدة في البحر المتوسط.
ويعد هذا المشروع واحدًا من أكبر الاستثمارات التي قام بها صندوق الأسهم الخاصة به، Affinity Partners، الذي أسسه بعد انتهاء الولاية الأولى لترامب، بتمويل رئيسي من السعودية.
قبل دخوله عالم السياسة، كان كوشنر مطورًا عقاريًا يركز على مدينة نيويورك. لكنه منذ مغادرته واشنطن، بنى محفظة استثمارية عالمية تشمل حصصًا في شركات وعقارات عبر أوروبا الشرقية والخليج وأمريكا اللاتينية.
وقد تم تسهيل العديد من هذه الصفقات من خلال اتصالاته أثناء توليه المنصب الحكومي أو بسبب مكانته كمساعد موثوق به لترامب. وقد أثبت كوشنر قدرته على تحويل علاقاته وقربه من السلطة إلى استثمارات ضخمة.
على سبيل المثال، يضع نفسه الآن كوسيط للمستثمرين الخليجيين الراغبين في ضخ أموالهم في القطاع الخاص المزدهر في إسرائيل.
يقول كوشنر إن نموذج عمله قائم على القدرة على رؤية الاتجاهات قبل الآخرين. ويضيف: “أنا مرتاح تمامًا لكوني شخصًا غير تقليدي. دعمت ترامب عندما اعتقد من هم في دائرتي أن ذلك لم يكن شائعًا أو ذكيًا. كنت مقتنعًا بأنه يمكنني تحقيق تقدم في الشرق الأوسط عندما قال الجميع إنني مجنون”.
لكن حتى قبل إعادة انتخاب ترامب، واجه كوشنر ادعاءات بتضارب المصالح المحتمل. فقد أشار الديمقراطيون إلى أن المستثمرين في الخليج قد ينظرون إلى تمويل مشاريعه كوسيلة لكسب ود ترامب.
وهذه التساؤلات ستزداد حدة الآن بعد عودة ترامب إلى البيت الأبيض. وعلى الرغم من أن كوشنر لم يتولَّ منصبًا رسميًا، إلا أنه جعل نفسه متاحًا لتقديم المشورة للإدارة بشأن قضايا محددة.
خاصة يبدو أنه مهتم جدًا بإمكانية التقارب بين السعودية وإسرائيل، وهما دولتان لديه فيهما علاقات سياسية عميقة. ومع ذلك، فإن ذلك يعني أنه قد يقدم المشورة بشأن قضية تؤثر على الدولة السعودية، التي تعد أحد أكبر المستثمرين في صندوقه Affinity Partners.
يقول مايكل ملتسنر، أستاذ القانون في جامعة نورث إيسترن: “أخشى أن يستفيد كوشنر، وأفراد آخرون من عائلة ترامب، ماليًا من خلال استغلال وضعهم للإيحاء بأنهم يستطيعون التأثير على سياسات الإدارة”.
من جهته كوشنر ينفي أي تضارب في المصالح، ويعتبر أن معظم الانتقادات هي مجرد هجمات سياسية حزبية. ويقول: “هذه ليست استفسارات مشروعة، بل هي هجوم سياسي لا أساس له”.
وقد ولد كوشنر في عائلة ثرية من مطوري العقارات في نيويورك، وحقق أرباحه الأولى أثناء دراسته في هارفارد في أوائل الألفية بشراء شقق بقيمة 9 ملايين دولار في ضواحي بوسطن، وبيعها لاحقًا مقابل ضعف المبلغ بعد تحسن المنطقة.
لكن الاختبار الحقيقي جاء في 2005 عندما تولى إدارة أعمال العائلة بعد سجن والده، تشارلز، بتهم التهرب الضريبي وعرقلة العدالة.
في 2007، اشترت عائلته مبنى 666 Fifth Avenue في مانهاتن مقابل 1.8 مليار دولار، لكن توقيت الصفقة كان سيئًا، إذ انخفضت قيمته لاحقًا عن الديون المستحقة عليه.
بحلول 2018، استحوذت شركة Brookfield العقارية الكندية على المبنى مقابل 1.1 مليار دولار، مما أتاح لكوشنر سداد الديون واستمرار نشاطه الاستثماري.
بعد مغادرته البيت الأبيض، أطلق كوشنر صندوق Affinity Partners، الذي استقطب تمويلًا أوليًا بقيمة 2 مليار دولار من صندوق الثروة السيادي السعودي. في 2023، حصل الصندوق على 1.5 مليار دولار إضافية من الإمارات وقطر، ليصل إجمالي أصوله إلى 4.6 مليار دولار.
وقد استثمر كوشنر مئات الملايين من الدولارات في شركات إسرائيلية، بما في ذلك شركة التأمين Phoenix Financial، التي تدير أصولًا بقيمة 100 مليار دولار.
لكن هناك انتقادات حادة. فقد فتح مجلس الشيوخ تحقيقًا في استثمارات Affinity، وسط مخاوف من أن كوشنر قد يستخدم نفوذه السياسي لصالح مستثمرين أجانب.
لكن التحديات الحقيقية قد تكون في الشرق الأوسط، حيث يتمتع كوشنر بعلاقات عميقة مع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان. يقول مستشار سابق في وكالة الاستخبارات المركزية: “لديه القدرة على الاستماع أكثر من الإلقاء، ويخصص الوقت الكافي مع اللاعبين الرئيسيين”.
وفي النهاية، بينما يتعرض لانتقادات واسعة، يبدو أن كوشنر ماضٍ في بناء إمبراطوريته، غير مبالٍ بكل الجدل الدائر حول تضارب المصالح.
الرابط المختصر https://gulfnews24.net/?p=70470