طائرة قطرية بقيمة 400 مليون دولار تهدد بتحطيم الأرقام القياسية لهدايا الرؤساء الأميركيين

يثير إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب عزمه قبول طائرة فاخرة من طراز “بوينغ 747-8” كهدية من العائلة المالكة القطرية موجة واسعة من الجدل، بعد أن كشفت بيانات رسمية أن قيمتها تفوق بمئة مرة مجموع الهدايا التي تلقاها الرؤساء الأميركيون من دول أجنبية خلال العقدين الأخيرين.

وبحسب تحليل أجراه موقع “أكسيوس” استنادًا إلى بيانات وزارة الخارجية الأميركية وسجلات لجنة الرقابة بمجلس النواب، تبلغ قيمة الطائرة التي تعتزم قطر تقديمها 400 مليون دولار.

وقال الموقع إن هذه القيمة وحدها تتجاوز إجمالي قيمة الهدايا الأجنبية المقدّمة للرؤساء الأميركيين منذ عام 2001، والتي بلغت مجتمعة نحو 3.8 مليون دولار فقط.

للمقارنة، كانت أضخم هدية سابقة من نصيب الرئيس الأسبق باراك أوباما: منحوتة برونزية فاخرة صممت خصيصًا له من السعودية، بقيمة تقديرية بلغت نصف مليون دولار. أما اليوم، فتسعى قطر إلى منح ترامب طائرة تمثل قفزة هائلة في سوية وحجم الهدايا المقدّمة لزعماء الولايات المتحدة.

لماذا يهم الأمر؟

يثير حجم الهدية القطريّة تساؤلات أخلاقية وقانونية جدية، ويجدد النقاش حول التداخل بين المصالح الشخصية والرسمية في ولاية ترامب الثانية. فالطائرة، التي وصفها ترامب بأنها “قصر في السماء”، ستُستخدم كبديل محتمل للطائرة الرئاسية “إير فورس وان” الحالية، على أن تُسلَّم لاحقًا إلى مكتبته الرئاسية.

مع ذلك، يرى خبراء أن هذه الهدية، رغم تقديمها بمظهر رسمي، تمثّل في جوهرها اختبارًا حقيقيًا لحدود الأعراف الدستورية والأخلاقية التي تنظّم علاقة الرؤساء الأميركيين بهدايا الدول الأجنبية.

وينص الدستور الأميركي بوضوح على منع المسؤولين الحكوميين، بمن فيهم الرئيس، من قبول هدايا شخصية من حكومات أجنبية من دون موافقة الكونغرس. لكن القوانين التنفيذية المرعية الإجراء تضع حدودًا مالية لهذا النوع من الهدايا.

فبموجب القانون الأميركي، لا يجوز للمسؤولين الفيدراليين الاحتفاظ بهدايا من حكومات أجنبية تتجاوز قيمتها 480 دولارًا، إلا إذا تم تسليمها إلى الأرشيف الوطني. تُقبل الهدايا الرمزية التي لا تتخطى هذا السقف، أما ما يفوقه فيُعتبر ملكية عامة.

وبذلك، تصبح الطائرة القطرية – نظريًا – هدية موجهة إلى الدولة الأميركية، لا إلى ترامب شخصيًا. لكن النقاد يرون أن الظروف المحيطة بالصفقة وظروف الإعلان عنها تثير شبهات سياسية واضحة.

ترامب يدافع: “لماذا لا أقبل الهدية؟”

في مقابلة أجراها خلال الرحلة مع الإعلامي شون هانيتي على قناة “فوكس نيوز”، حاول ترامب التخفيف من وقع الانتقادات قائلًا إن الطائرة ليست له، بل ستكون ملكًا للدولة.

وأضاف: “لن أحصل على شيء. سأقودها كأي رئيس آخر”. وأردف: “نحن نعطي للجميع. لماذا لا أقبل هدية؟”.

لكن هذه التبريرات لم توقف موجة الانتقادات. فقد أبدى حتى بعض حلفاء ترامب التقليديين في الإعلام تحفظات نادرة، مشيرين إلى أن قبول هدية بهذا الحجم من دولة ذات مصالح حساسة مع الولايات المتحدة قد يقوّض صورة الحياد ويُضعف الثقة العامة.

سابقة خطيرة أم استثناء رمزي؟

تاريخيًا، تلقى رؤساء الولايات المتحدة هدايا منوعة من دول أجنبية، تراوحت بين الكتب والتحف والمجوهرات وحتى الحيوانات. فقد تلقى جورج بوش الابن جروًا من بلغاريا، بينما حصل ريغان وأيزنهاور على فيلين صغيرين من الهند وسريلانكا.

وفي 2011، أهدت أستراليا الرئيس أوباما بوليصة تأمين ضد هجمات التماسيح خلال زيارة رسمية، وجرى حفظها في الأرشيف الوطني لاحقًا. لكن جميع هذه الهدايا بقيت رمزية أو ذات طابع ثقافي، ولم تتجاوز قيمتها حدود العُرف السياسي والدبلوماسي.

في المقابل، يرى مراقبون أن هدية قطر لترامب تتجاوز هذه الأطر الرمزية، كونها تمثل “استثمارًا سياسيًا” في رئيس لا يُخفي روابطه التجارية والمالية بدول الخليج.

الخليج مركز الهدايا الفاخرة

يُلاحظ أن دول الخليج – السعودية، الإمارات، قطر، البحرين – تحتل موقع الصدارة في قائمة الدول التي قدمت هدايا فاخرة ومكلفة للرؤساء الأميركيين. ويرى محللون أن هذه الدول تستخدم أحيانًا أدوات “الهدايا الكبرى” كوسيلة دبلوماسية لبناء النفوذ وتعزيز العلاقات.

لكن قيمة الهدية القطرية المزمعة، وحجم الاستثمار القطري في مشاريع عائلة ترامب، يثيران خشية من تحوّل هذه الهدايا إلى أدوات تأثير مباشر في القرار السياسي الأميركي، خصوصًا في ظل قضايا إقليمية حساسة كملف غزة، والاتفاق النووي الإيراني، وصفقات التطبيع مع إسرائيل.

ما القادم؟

حتى الآن، لم تُعرض مسألة الهدية القطرية رسميًا على الكونغرس، كما لم تُصدر لجنة الرقابة في مجلس النواب موقفًا نهائيًا حيالها. غير أن مصادر مطلعة تشير إلى أن الديمقراطيين يدرسون فتح تحقيق خاص حول هذه الصفقة واحتمالات تضارب المصالح.

في الوقت نفسه، يبقى البيت الأبيض مصرًا على أن ترامب “ملتزم بالقوانين”، ويؤكد أن الهدية “لا تخالف الأعراف” طالما أنها ستُستخدم رسميًا، ثم تُحفظ في مؤسسة رئاسية.

وفي نهاية المطاف، تمثل الطائرة القطرية اختبارًا صارخًا لمفهوم “الهدايا” في السياسة الأميركية. وبينما يصرّ ترامب على أنها مجرّد مساهمة في البنية التحتية الرئاسية، يرى خصومه أن قبولها قد يصبح سابقة خطيرة في علاقة المال بالسيادة.

وفي وقت تستعد فيه الولايات المتحدة لمواجهة ملفات إقليمية معقدة في الشرق الأوسط، يبقى السؤال مفتوحًا: هل ستبقى هذه الهدية مجرّد طائرة فاخرة؟ أم ستكون بوابة جديدة لتوسيع النفوذ الأجنبي في قلب الرئاسة الأميركية؟

قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.