اعتبرت صحيفة فايننشال تايمز البريطانية العلاقات السعودية الإيرانية أثبتت أنها صمام أمان للمنطقة التي تشهد اضطرابا على خلفية الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة منذ تشرين أول/أكتوبر الماضي.
وأشارت الصحيفة إلى مرور عام منذ أن أصدرت السعودية وإيران إعلانهما المفاجئ في بكين بشأن استئناف العلاقات الدبلوماسية بينهما بعد سبع سنوات من القطيعة.
وقد نجحت هذه الخطوة العملية في الغالب في الحد من التوترات بين الخصمين، لكن لم يتم حل سوى القليل من الأمور الجوهرية العالقة بين الطرفين، ولا يزال التقارب محدودًا.
ومع ذلك، فقد صمدت هذه الخطوة في وجه صدمة الحرب في غزة، التي كانت واحدة من أكثر الأحداث كارثية في تاريخ الشرق الأوسط الحديث.
وفي الواقع أثبتت أنها صمام أمان حصل بالصدفة ولكنه أساسي نجح في تجنيب المنطقة حريقا أوسع نطاقا حاليًا، كما كانت العلاقة مفيدة أيضًا للولايات المتحدة، باعتبارها قناة اتصال إضافية في منطقة على حافة الحرب ومساحة امنة في مثلث معقد غالبًا بين واشنطن والرياض وطهران.
وكانت صحيفة فايننشال تايمز قد كشفت الأسبوع الماضي أن الولايات المتحدة أجرت محادثات سرية في يناير مع إيران في عُمان لإقناع طهران بكبح جماح هجمات الحوثيين على السفن في البحر الأحمر.
وقد جرت محادثات سرية بين أمريكا وإيران من حين لآخر في الماضي، ولا سيما خلال قضية إيران كونترا في الثمانينيات ومؤخراً تلك التي أدت إلى الاتفاق النووي لعام 2015، وكان السعوديون غاضبين من تركهم في الظلام في ذلك الوقت.
وبالرغم من أن محادثات خفض التصعيد الأخيرة في عُمان لا ترقى إلى نفس مستوى أهمية المفاوضات النووية، إلا أن احتمال حدوث اضطراب مازال قائمًا.
وذكرت الصحيفة نقلا عن مسؤول كبير في المنطقة أن السعودية علمت بأمر هذه المفاوضات ليس من واشنطن فحسب بل من طهران ايضًا.
في الساعات والأيام التي أعقبت هجوم حماس على إسرائيل في السابع من أكتوبر/تشرين الأول، كان لا يزال هناك الكثير غير واضح بشأن عملية التخطيط، ومستوى تورط إيران، وما إذا كان وكلاء إيران على وشك الانضمام إلى القتال.
وكانت الرياض تشعر بالقلق من أنها قد تصبح هدفا لهم مرة أخرى ايضًا، وكانت إسرائيل تخطط لشن ضربة استباقية ضد حزب الله في لبنان.
ولكن بحلول الحادي عشر من تشرين الأول/أكتوبر، أجرى الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي مكالمة هاتفية مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، وهي الأولى على الإطلاق بينهما وأول محادثة على هذا المستوى بين البلدين منذ ما قبل انهيار العلاقات عام 2016.
وبعد أسبوع من المكالمة، سافر وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان إلى جدة لحضور اجتماع لمنظمة التعاون الإسلامي: لقد كانت رسالة إيران سهلة على الفهم وواضحة: نحن لا نريد الحرب.
وفي غياب هذه القناة، فإن خطر إساءة قراءة نوايا مختلف اللاعبين في المنطقة سيكون كبيراً.
لقد عقدت إيران والسعودية سلسلة من الاجتماعات والزيارات منذ ذلك الحين، ولم يمنع هذا طهران من نشر أصدقائها المسلحين ببطء مع استمرار الحرب في غزة – أولا حزب الله في لبنان، ثم الميليشيات الشيعية في العراق وسوريا، وبالطبع الحوثيين – لدعم حماس والفلسطينيين ظاهريا.
ولكن هناك حربان تجريان بالتوازي في الشرق الأوسط، ويبدو أنهما لا يمكن التمييز بينهما في العناوين الرئيسية، ولكنهما في واقع الأمر منفصلان: الحملة العسكرية الإسرائيلية في غزة والحرب البطيئة التي تشنها إيران بالوكالة ضد الولايات المتحدة.
وقالت الصحيفة إن استخدام إيران للوكلاء، الذين يوفرون خط الدفاع الأول بعيداً عن حدود إيران، هو فن أتقنته على مدى العقود الأربعة الماضية، ولكن يبدو أنه وصل إلى حدوده في الأشهر الأخيرة.
وأضافت أن إيران حريصة على الحفاظ على حزب الله أداتها الرئيسية في المنطقة، لذا فقد مارس الحزب ضبط النفس بشكل مفاجئ في حين تعمل إسرائيل على توسيع نطاق وشدة ضرباتها الصاروخية، الأمر الذي أدى إلى إضعاف بعض قدرات المجموعة على طول الحدود وفي الداخل.
وقد كان الدمار الذي لحق بالبنية التحتية المدنية في جنوب لبنان واسع النطاق، وقد سبب النهج الذي اتبعه حزب الله بعض القلق داخل قاعدة دعم الحزب.
أما في سوريا والعراق، فقد هاجمت الميليشيات الشيعية القوات الأمريكية 170 مرة على مدى أربعة أشهر، ثم في الثاني من فبراير، ردت الولايات المتحدة بعدة ضربات صاروخية، وطلبت إيران بهدوء من وكلائها وضع المكابح.
كما حافظت طهران على مسافة بينها وبين حماس، وهذا يترك الحوثيين، وبالطبع البرنامج النووي الإيراني، درعهم المطلق.
لكن هذه الفترات تظل واحدة من أكثر فترات الاختبار بالنسبة لطهران، إذ إنها تخاطر بخسارة المكاسب الإقليمية الكبيرة التي حققتها منذ بدء الحرب في العراق عام 2003، فهي تتفاوض بالنار للحفاظ على موقعها في نظام جديد في الشرق الأوسط، وهو نظام يظل شريكها الجديد في التقارب السعودية فيه، منفتحاً على تطبيع العلاقات مع إسرائيل في ظل ظروف معينة، بما في ذلك الاعتراف بالدولة الفلسطينية.
ويبدو أن سيناريو التقارب هذا بعيد المنال وسط وجود تحذيرات من المجاعة في غزة، لكنه السيناريو الذي تسعى إليه واشنطن رغم ذلك، وسوف يكون لزاماً على إيران في نهاية المطاف أن تختار بين تعطيله علناً ومواجهة العواقب الوخيمة، أو الإذعان بشكل غير مباشر لضمان بقاء النظام.
الرابط المختصر https://gulfnews24.net/?p=66838