تواجه شركة “ميتا” اليوم الحكومة الفيدرالية في الولايات المتحدة الأمريكية في محاكمة تاريخية تتعلق بمكافحة الاحتكار بشأن ادعاءات بأنها قضت بشكل غير قانوني على المنافسة عبر شراء “إنستغرام” و”واتساب”.
وبحسب صحيفة نيويورك تايمز فقد يؤدي الحكم في هذه المحاكمة إلى إعادة تشكيل الطريقة التي يشارك بها المستهلكون المعلومات عبر الإنترنت بشكل جذري.
بعد فترة وجيزة من تأسيس مارك زوكربيرغ لشركة “فيسبوك” في غرفة سكنه بجامعة هارفارد عام 2004، شهدت الشبكة الاجتماعية صعودًا هائلًا في شعبيتها.
وبعد نحو عقد من الزمن، شهدت الشركة موجة نمو انفجارية أخرى بعد استحواذها على منافسيها الأصغر حجمًا “إنستغرام” و”واتساب”، مما رسّخ مكانتها في عالم وسائل التواصل الاجتماعي.
يوم الاثنين، سيبدأ القاضي جيمس بوزبرغ من المحكمة الجزئية الأمريكية لمقاطعة كولومبيا النظر في قضية احتكار تاريخية تتعلق بالشركة — التي تُعرف الآن باسم “ميتا” — والتي تتمحور حول سؤال قانوني جديد: هل انتهكت الشركة القانون للحفاظ على هيمنتها عبر الاستحواذ على الشركات الناشئة التي كانت تقف في طريقها؟
القضية — لجنة التجارة الفيدرالية ضد منصات ميتا — ستحاول لأول مرة توسيع نظريات قانون مكافحة الاحتكار الأمريكي لتشمل ما يسميه المنظمون باستراتيجية “اشترِ أو اطمس”.
وتدعي لجنة التجارة الفيدرالية أن “ميتا” انتهكت القانون عبر الاستحواذ على منافسين ناشئين للحفاظ على احتكارها في مجال الشبكات الاجتماعية. ويسعى المنظمون إلى إجبار “ميتا” على تصفية “إنستغرام” و”واتساب”.
وقد ردت “ميتا” بأنها تواجه بالفعل منافسة قوية في مجال وسائل التواصل الاجتماعي من “تيك توك” و”سناب شات” و”ريديت” و”لينكدإن”، وأن المنظمين وافقوا على عمليات الاستحواذ في وقتها. ولم تتخلَ الشركة بعد عن محاولة التسوية: ففي بداية هذا الشهر، كان مارك زوكربيرغ في البيت الأبيض في محاولة لإقناع إدارة ترامب بتفادي المحاكمة.
ومن المتوقع أن تكون نتيجة هذه المحاكمة، التي ستمتد لعدة أسابيع، والتي تُعد أول قضية تقنية رئيسية تلاحقها إدارة ترامب، عاملاً في إعادة تشكيل مشهد مكافحة الاحتكار في الولايات المتحدة، بينما تواجه الشركات تدقيقًا مكثفًا على عمليات الدمج والاستحواذ.
وقد يؤدي انتصار الحكومة إلى تأثيرات واسعة على وادي السيليكون، حيث تعتمد الشركات الناشئة على الاستحواذات المربحة كمصدر رئيسي للأرباح.
مع ذلك، أشار خبراء قانونيون إلى أن لجنة التجارة الفيدرالية تواجه معركة صعبة لإثبات قضيتها. إذ تعتمد الحجة القانونية للحكومة على إثبات أن “ميتا” لم تكن لتصبح مهيمنة، أو لما استمرت مهيمنة، لولا استحواذها على “إنستغرام” و”واتساب” — وهي فرضية يصعب إثباتها نظرًا لتعدد العوامل التي ساهمت في نمو الشركة.
وقال جين كيميلمان، المسؤول السابق في قسم مكافحة الاحتكار بوزارة العدل: “هذه قضية اختبارية حاسمة لمعرفة ما إذا كان يمكن استخدام قوانين مكافحة الاحتكار لإلغاء عمليات اندماج صممت للقضاء على المنافسة الناشئة”، مضيفًا: “انتصار الحكومة سيمنح المستهلكين المزيد من الخيارات وفرص الانتقال عبر منصات التواصل دون الحاجة إلى البقاء على فيسبوك”.
ومن المتوقع أن يدلي مارك زوكربيرغ، الرئيس التنفيذي لشركة “ميتا”، بشهادته خلال المحاكمة، إلى جانب شيريل ساندبرغ المديرة التنفيذية السابقة لـ”ميتا”، ومؤسسي “إنستغرام” و”واتساب”.
وتحشد “ميتا” فريقًا من أغلى وأمهر المحامين للدفاع عنها، بقيادة مارك سي. هانسن، الشريك في مكتب “كيلوغ، هانسن، تود، فيغيل وفريدريك”. وتخطط الشركة للادعاء بأن الصعود السريع لموقع “تيك توك” لمشاركة الفيديوهات يُظهر أن السوق يشهد منافسة صحية.
وقال كريس سغرو، المتحدث باسم “ميتا”: “نحن واثقون من أن الأدلة في المحاكمة ستُظهر أن استحواذات ‘إنستغرام’ و’واتساب’ كانت مفيدة للمنافسة والمستهلكين”، مضيفًا أن لجنة التجارة الفيدرالية “تواصل بشكل خاطئ الادعاء بأنه لا يوجد صفقة نهائية حقًا، ويمكن معاقبة الشركات على الابتكار”.
وقد رفعت لجنة التجارة الفيدرالية دعواها الأولى ضد “ميتا” في ديسمبر 2020، بالتوازي مع دعوى مماثلة من 46 ولاية أمريكية. وتعتمد الحجة القانونية للجنة على المادة الثانية من قانون شيرمان لمكافحة الاحتكار لعام 1890، التي تنص على أن الحفاظ على الاحتكار باستخدام ممارسات غير تنافسية أمر غير قانوني — وفي هذه الحالة، عبر شراء شركات بأسعار مرتفعة كاستراتيجية للقضاء على المنافسة.
لدعم قضيتها، تعتزم لجنة التجارة الفيدرالية تقديم بريد إلكتروني من عام 2008 أرسله زوكربيرغ قال فيه: “من الأفضل الشراء بدلًا من المنافسة”، ومذكرة كتبها عام 2012 قال فيها إن دافعه لشراء “إنستغرام” هو “تحييد منافس محتمل”.
القاضي بوزبرغ، الذي خاض معركة قضائية محتدمة مع إدارة ترامب حول استخدامها لقانون حرب قوي لترحيل مهاجرين فنزويليين بشكل فوري، سيفصل في القضية. وقد صرح القاضي خلال جلسة إجرائية حديثة بأنه لم يكن لديه حساب شخصي على “فيسبوك” أو “إنستغرام” من قبل.
وكان القاضي بوزبرغ قد رفض الدعوى الأولية للجنة التجارة الفيدرالية في يونيو 2021، مطالبًا بتعريفات أوضح للسوق الاجتماعي وكيفية احتكار “ميتا” له. لكنه قبل نسخة معدلة من الدعوى في يناير 2022، مع تحذير بأن القضية ما زالت بعيدة عن الحسم لصالح اللجنة.
وفي حكمه برفض طلب “ميتا” لإسقاط الدعوى العام الماضي، قال القاضي بوزبرغ إن لجنة التجارة الفيدرالية “تواجه أسئلة صعبة حول ما إذا كانت ادعاءاتها ستصمد في محك المحاكمة”، مضيفًا أن “مواقف اللجنة أحيانًا تدفع سوابق مكافحة الاحتكار المتهالكة في هذا البلد إلى أقصى حدودها”.
وأشار خبراء قانونيون إلى أن القضية ستكون صعبة الإثبات لأنها تعتمد على النوايا التي كانت لدى المديرين التنفيذيين قبل أكثر من عقد، في عصر إنترنت كان مختلفًا تمامًا. فقد تمت الموافقة على الصفقات من قبل المنظمين حينها، وسنوات من دمج التطبيقات تعني أنها تتشارك الآن العديد من الأنظمة الداخلية والبيانات، مما يجعل فصلها تحديًا.
وقالت جينيفر هادلستون، كبيرة الباحثين في معهد كاتو، وهو مركز أبحاث: “الأمر أشبه بطلب من قاضٍ أن يقرر ما إذا كانت ‘ميتا’ حاولت القضاء على المنافسة أو أنها كانت ببساطة محظوظة وأجرت رهانًا ناجحًا”، مضيفة: “إنه يفترض سيناريو معاكس لا يمكننا معرفته”.
الرابط المختصر https://gulfnews24.net/?p=71200